والرب كأنه قيل : احفظ الصلاة يحفظك الإله الذي أمرك بالصلاة كقوله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢] وفي الحديث «احفظ الله يحفظك» وإما لأنها بين المصلي والصلاة فمن حفظ الصلاة حفظته الصلاة عن المناهي (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥] وحفظته عن الفتن والمحن (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ٤٥] وكيف لا وفي الصلاة القراءة والقرآن شافع مشفع. في الخبر «تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان فتشهدان وتشفعان» (١) و «إن سورة الملك تصرف عن المتهجد بها عذاب القبر وتجادل عنه في الحشر وتقف في الصراط عند قدميه وتقول للنار لا سبيل لك عليه»
وفي الصلاة الوسطى سبعة أقوال : الأول : أنه تعالى أمرنا بالمحافظة على الصلاة الوسطى ولم يبين لنا أنها أي الصلوات. وما يروى من أخبار الآحاد لا معوّل عليها فيجب أن تؤدى كلها على نعت الكمال والتمام ، ولعل هذا هو الحكمة في إبهامها ، ولمثل ذلك أخفى الله تعالى ليلة القدر في ليالي رمضان ، وساعة الإجابة في يوم الجمعة ، واسمه الأعظم في أسمائه ، ووقت الموت في الأوقات ليكون المكلف خائفا عازما على التوبة في كل الأوقات ، وهذا القول اختاره جمع من العلماء ، عن محمد بن سيرين أن رجلا سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال : حافظ على الصلوات كلها تصبها. وعن الربيع : أرأيت لو علمتها بعينها أكنت محافظا عليها ومضيعا سائرهن؟ قال السائل : لا. قال الربيع : فإن حافظت عليهن فقد حافظت على الصلاة الوسطى. القول الثاني : أن الوسطى مجموع الصلوات الخمس ، فإن الإيمان بضع وسبعون درجة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطرق. والصلوات المكتوبات واسطة بين الطرفين. القول الثالث : أنها صلاة الصبح وهو قول علي وعمر وابن عباس وابن عمر وجابر وأبي أمامة. ومن التابعين قول طاوس وعطاء وعكرمة ومجاهد وهو مذهب الشافعي قالوا : إن هذه الصلاة تصلى في الغلس فبعضها في ظلمة الليل وآخرها في ضوء النهار. وأيضا إن في النهار صلاتين : الظهر والعصر ، وفي الليل صلاتين : المغرب والعشاء ، والصبح متوسط بينهما. وأيضا الظهر والعصر يجمعان في السفر وكذا المغرب والعشاء والفجر منفرد بينهما. قال القفال : وتحقيق هذا يرجع إلى ما يقوله الناس : فلان متوسط إذا لم يمل إلى أحد
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب المسافرين حديث ٢٥٢ ، ٢٥٣. الدارمي في كتاب فضائل القرآن باب ١٥. أحمد في مسنده (٤ / ١٨٣)