سموا بذلك لأنهم ملؤا بما يحتج إليه من كفايات الأمور وتدبيرها من قولهم «ملؤ الرجل ملاءة فهو ملؤ» إذا كان مطيقا له ، لأنهم يتمالؤن أي يتظاهرون ويتساندون. والغرض من إيراد هذه القصة عقيب آية القتال ، ترغيب المكلفين على الجهاد وأن لا يكونوا كمن أمروا بالقتال فخالفوا وظلموا (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) لم يحصل العلم بذلك النبي وبأولئك الملأ من الخبر المتواتر ، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن. لكن المقصود وهو الحث على الجهاد حاصل. منهم من قال : إن النبي صلىاللهعليهوسلم هو يوشع بن نون بن إفرايم بن يوسف لقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ مُوسى) ولكنه لا يلزم منه حصوله من بعده على الاتصال. والأكثرون على أنه أشمويل واسمه بالعربية إسماعيل. وعن السدي هو شمعون سمته أمه بذلك لأنها دعت الله أن يرزقها إياه فسمع دعاءها فسمته شمعون. والسين تصير شينا بالعبرانية وهو من ولد لاوى بن يعقوب. (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً) أنهض للقتال معنا أميرا نصدر في تدبير الحرب عن رأيه وتنتظم به كلمتنا. وكان قوام بين إسرائيل بملك يجتمعون عليه يجاهد الأعداء ويجري الأحكام ، ونبي يطيعه الملك ويقيم أمر دينهم ويأتيهم بالخبر من ربهم (نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) بالنون والجزم على الجواب وهي القراءة المشهورة. وقرىء بالنون والرفع على أنه حال أي ابعث لنا ملكا مقدرين القتال ، أو استئناف كأنه قال لهم. ما تصنعون بالملك؟ فقالوا : نقاتل. وقرىء «يقاتل» بالياء والجزم على الجواب ، وبالرفع على أنه صفة لـ (مَلِكاً) و (هَلْ عَسَيْتُمْ) خبره (أَلَّا تُقاتِلُوا) والشرط فاصل بينهما ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المذكور أي إن كتب عليكم القتال فهل يتوقع منكم الجبن والخور؟ وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ) قال المبرد : «ما» نافية أي ليس لنا ترك القتال. والأكثرون على أنه للاستفهام ، وأورد عليه أنه خلاف المشهور فإنه لا يقال : مالك أن لا تفعل كذا ، وإنما يقال : مالك لا تفعل. فعن الأخفش أن «أن» زائدة أي ما لنا لا نقاتل. ورد بأن الزيادة خلاف الأصل ولا سيما في كلام رب العزة. وعن الفراء أن الكلام محمول على المعنى لأن قولك «ما لك لا تقاتل» معناه ما منعك أن تقاتل ، فلما ذهب إلى معنى المنع حسن إدخال «أن» فيه. وعن الكسائي : واستحسنه الفارسي أن التقدير أيّ شيء لنا وأيّ داع أو غرض في ترك القتال فسقطت كلمة «في» على القياس (وَقَدْ أُخْرِجْنا) أي وحالنا أنا أخرجنا من ديارنا بالسبي والقهر على نواحيها ، ومن بلغ منه العدو هذا المبلغ فالظاهر منه الاجتهاد في قمع عدوّه. روي أن قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين ، فأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين. وهاهنا محذوف التقدير : فسأل الله تعالى ذلك فبعث لهم ملكا وكتب عليهم القتال. (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وهم الذين عبروا النهر وسيأتي