اسم الذات وبين أسماء الصفات فمنع الأول وجوّز الثاني. واعلم أنه قد ورد في القرآن ألفاظ دالة على معان لا يمكن إثباتها بالحقيقة في حق الله تعالى منها : الاستهزاء (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥] والاستهزاء مذموم لكونه جهلا (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [البقرة : ٦٧]. ومنها المكر (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] ومنها الغضب (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [الفتح : ٦] ومنها التعجب (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) [الصافات : ١٢] فيمن قرأ بضم التاء. والتعجب حالة للقلب تعرض عند الجهل بسبب الشيء ومنها التكبر (الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) [الحشر : ٢٣] ومنها الحياء (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) [البقرة : ٢٦] والحياء تغير يعرض للقلب والوجه عند فعل شيء قبيح. والقانون في تصحيح هذه الألفاظ أن يقال لكل واحدة من هذه الأحوال أمور توجد معها في البداية وآثار تصدر منها في النهاية مثاله : الغضب حالة تحصل في القلب عند غليان دمه وسخونة مزاجه ، والأثر الحاصل منها في النهاية إيصال الضرر إلى المغضوب عليه. فالغضب في حقه تعالى محمول على الأثر الحاصل في النهاية لا الأمر الكائن في البداية ، وقس على هذا. قيل : إن لله تعالى أربعة آلاف اسم ، ألف منها في القرآن والأخبار ، وألف في التوراة ، وألف في الإنجيل ، وألف في الزبور. وقد يقال : ألف آخر في اللوح المحفوظ ولم يصل ذلك إلى البشر وهذا غير مستبعد ، فإن أقسام صفات الله تعالى بحسب السلوب والإضافات لا تكاد تنحصر ، وكل من كان اطلاعه على آثار حكمة الله تعالى في تدبير العالم العلوي والعالم السفلي أكثر كان اطلاعه على أسماء الله أكثر. وإن قلنا : إن له بكل مخلوق اسما وكذا بكل خاصية ومنفعة فيه كمنافع الأعضاء والحيوان والنبات والأحجار ، خرجت الأسماء عن حيز العد والإحصاء كما قال عز من قائل : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤] فإن قلت : إنا نرى في كتب العزائم أذكارا غير معلومة ورقى غير مفهومة وقد تكون كتابتها أيضا غير معلومة ، فما بال تلك الأذكار والرقى؟ قلت : لا نشك أن تلك الكلمات إن لم تدل على شيء أصلا لم تفد ، وإن دلت فأحسن أحوال تلك الكلمات أن تكون شيئا من هذه الأدعية. ولا ريب أن الأذكار المعلومة أدخل في التأثير من قراءة تلك المجهولات ، إلا أن أكثر الناس إذا قرأوا هذه الأذكار المعلومة ولم يكن لهم نفوس مشرقة تجذب بهم إلى عالم القدس ويلوح عليهم أثر الإلهيات ، لم يكد يظهر عليهم شروق أنوارها ولهذا قد ورد «رب تال للقرآن والقرآن يلعنه» نعوذ بالله من هذه الحالة. أما إذا قرأوا تلك الألفاظ المجهولة ولم يفهموا منها شيئا وحصلت عندهم أوهام أنها كلمات عالية ، استولى الفزع والرعب على قلوبهم فيحصل لهم بهذا السبب نوع تجرد عن الجسمانيات وتوجه إلى الروحانيات فتتأثر نفوسهم وتؤثر ، وهذا وجه مناسب في قراءة الرقى المجهولة. واعلم أن