قرحة. ومعنى الآية إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبل ذلك في يوم بدر. ثم لم يثبطهم ذلك عن معاودة القتال فأنتم أولى بأن لا تفرقوا ولا تجبنوا ونظيره (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) [النساء : ١٠٤] وقيل : القرحان في يوم أحد وذلك أنه قتل يومئذ خلق من الكفار نيف وعشرون رجلا ، وقتل صاحب لوائهم ، وكثرت الجراحات فيهم ، وعقرت عامة خيلهم بالنبل ، وقد كانت الهزيمة عليهم في أول النهار كما يجيء من قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ) [آل عمران : ١٥٢] والمماثلة في عدد القتلى والجرحى غير لازمة وإنما تكفي المثلية في نفس القتل والجراحة. (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) موصوفا وصفته مبتدأ خبره (نُداوِلُها) وتلك مبتدأ أو الأيام خبره كقولك : «هي الأيام تبلي كل جديد» فإن الضمير لا يوصف ويكون (تِلْكَ) إشارة إلى الوقائع والأحوال العجيبة التي يعرفها أهل التجارب من أبناء الزمان. والمراد بالأيام ما في تلك الأوقات من الظفر والغلبة والحالات الغريبة. وقوله (نُداوِلُها) كالتفسير لما تقدمه. والمداولة نقل الشيء من واحد إلى آخر. ويقال : تداولته الأيدي أي تناقلته. والدنيا دول أي تنتقل من قوم إلى آخرين لا تدوم مسارّها ومغامها ، فيوم يحصل فيه السرور له والغم لعدوّه ، ويوم آخر بالعكس فلا يبقى شيء من أحوالها ولا يستقر أثر من آثارها ونظيره قولهم : «الحرب سجال». شبهت بالدلاء لكونها تارة مملوءة وأخرى فارغة. وليس المراد من هذه المداولة أنه تعالى تارة ينصر المؤمنين وأخرى ينصر الكافرين ، فإن نصرة الله منصب شريف لا يناله الكافرون. بل المراد أنه تارة يشدد المحنة على الكافرين وأخرى على المؤمنين وذلك أنه لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميعها لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل ، ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب. فالحكمة في المداولة أن تكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام ، فيعظم ثوابه عند الله وإلى هذا يشير قوله سبحانه : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) وحذف المعطوف عليه ليذهب الوهم كل مذهب ويقرر الفوائد. والتقدير نداولها بين الناس ليكون كيت وكيت وليعلم. وفيه إيذان بأن المصلحة في هذه المداولة ليست بواحدة ولكن في ضمنها مصالح جمة لو عرفوها انقلبت مساءتهم مسرة منها أن يعلم الله. وقد احتج هشام بن الحكم بظاهر هذه الآية ونحوها كقوله : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا) [آل عمران : ١٤٢] على أنه تعالى لا يعلم الحوادث إلا عند وقوعها وقد سبق الأجوبة عنها في تفسير قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) [البقرة : ١٢٤] وتأويل الآية أن إطلاق لفظ العلم على المعلوم والقدرة على