أي نار الحرص التي توري عنها نار القطيعة ، وجوزوا بقدمي طاعة الله وطاعة رسوله. ثم أخبر عن المسارعة إلى الجنان بمصارعة النفس والجنان (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي المسافة بين العبد وبينها هذا القدر لأن الوصول إليها بعد العبور عما في السموات والأرض وهو عالم المحسوسات كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم عن عيسى أنه قال : لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين. فالولادة الثانية هي الخروج عن الصفات الحيوانية بتزكية النفس عنها. وولوج الملكوت هو التحلية بالصفات الروحانية (يُنْفِقُونَ) أموالهم (فِي السَّرَّاءِ) وأرواحهم في الضراء بل من سوى الله في طلب الله (فَعَلُوا فاحِشَةً) هي رؤية غير الله (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالتعلق بما سوى الله (وَذَكَرُوا اللهَ) بالنظر إليه وبرؤيته (وَمَنْ يَغْفِرُ) ومن يستر بكنف عواطفه ذنوب وجود الأغيار (إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) من رؤية الوسائط والتعلق بها (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن كل شيء ما خلا الله باطل (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ) أي هم مستحقون لمقامات القرب (مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ) من أصناف ألطافه (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) العناية (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) لأن نيل المقصود في بذل المجهود (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ) أمم لهم (سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) نفوسكم الحيوانية بالعبور على أوصافها الدنية لتبلغوا سماء قلوبكم الروحانية (فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) بهذه المقامات الروحانية والمكاشفات الربانية (وَلا تَهِنُوا) أيها السائرون في السير إلى الله (وَلا تَحْزَنُوا) على ما فاتكم من اللذات الفانية (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) من أهل الدنيا والآخرة لأنكم من أهل الله (إِنْ يَمْسَسْكُمْ) في أثناء المجاهدات (قَرْحٌ) ابتلاء وامتحان (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) من الأنبياء والأولياء (قَرْحٌ) محن (مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) السائرين يوما نعمة ويوما نقمة ، ويوما منحة ويوما محنة. (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أرباب المشاهدات والمكاشفات (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ) فيه إشارة إلى أن كل ألم ونصب يصيب المؤمن فهو تطهير لقلبه وتكفير لسره ، وما يصيب الكافر من نعمة ودولة وغنى ومنى فهو سبب لكفرانه ومزيد لطغيانه. وبوجه آخر البلاء لأهل الولاء تمحيص للقلوب عن ظلمات العيوب وتنويرها بأنوار الغيوب ومحق صفات نفوسهم الكافرة ومحو سمات أخلاقهم الفاجرة ليتخلصوا عن قفص الأشباح إلى حظائر الأرواح.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ