المشركين وانهزموا. فنزلت (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) بإتيان جميع المأمورات (وَاتَّقَوْا) بالانتهاء عن المحظورات و (أَحْسَنُوا) في طاعة الرسول واتقوا مخالفته وإن بلغ الأمر بهم إلى الجراحات. روي أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة. ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى ، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة ويتوكأ عليه صاحبه ساعة. و «من» في قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) للتبيين لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم. وقال أبو بكر الأصم : نزلت في يوم أحد لما رجع النبي صلىاللهعليهوسلم بالناس بعد الهزيمة فشد بهم على المشركين حتى كشفهم ، وكانوا قد هموا بالمثلة فدفعهم عنهم بعد أن مثلوا بحمزة ، فصلى عليهم النبي صلىاللهعليهوسلم ودفنهم بدمائهم. وذكروا أن صفية جاءت لتنظر إلى أخيها حمزة فقال صلىاللهعليهوسلم للزبير : ردّها لئلا تجزع من مثلة أخيها. فقالت : قد بلغني ما فعل به وذلك يسير في جنب طاعة الله تعالى. فقال للزبير : فدعها تنظر إليه ، فقالت خيرا واستغفرت له. وجاءت امرأة أخرى قد قتل زوجها وأبوها وأخوها وابنها ، فلما رأت الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو حي قالت : إن كل مصيبة بعدك هدر. وأما الثانية فروى ابن عباس أن أبا سفيان لما عزم أن ينصرف من المدينة إلى مكة نادى : يا محمد موعدنا موسم بدر الصغرى القابل فنقتتل بها إن شئت. فقال صلىاللهعليهوسلم لعمر : قل بيننا وبينك ذاك إن شاء الله. فلما حضر الأجل خرج أبو سفيان مع قومه حتى نزل مرّ الظهران ، فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع ، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال : يا نعيم إني واعدت محمدا أن نلتقي بموسم بدر ، وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي أن أرجع. ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جرأة فألحق بالمدينة وثبطهم ولك عندي عشر من الإبل. فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم : ما هذا بالرأي أتوكم في دياركم وقراركم فقتلوا أكثركم ، فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد ، فوقع هذا الكلام في قلوب قوم منهم. فقال صلىاللهعليهوسلم : والذي نفسي بيده لأخرجنّ إليهم وحدي. فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون : حسبنا الله ونعم الوكيل ، إلى أن وصلوا إلى بدر الصغرى وهي ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام. فلم يلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه أحدا من المشركين. وكانت معهم تجارت ونفقات فوافوا السوق وباعوا ما معهم واشتروا بها أدما وزبيبا وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين. ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق وقالوا : إنما خرجتم لتشربوا السويق وأنزل الله في المؤمنين (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) يعني نعيم بن مسعود كما ذكرناه. وإنما عبر