أن السمع والبصر آلتان للقلب فلهذا السبب وقع الابتداء بتقليب القلب. قال الجبائي : المراد ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في جهنم على لهب النار وحرها لتعذيبهم. وزيف بأن قوله (وَنَذَرُهُمْ) إنما يحصل في الدنيا وهذا يستلزم سوء النظم. وقال الكعبي : المراد ونقلب أفئدتهم وأبصارهم بأنا لا نفعل بهم ما نفعل بالمؤمنين من الفوائد والألطاف حيث أخرجوا أنفسهم عن هذا الحد بسبب كفرهم. وضعف بأنه إنما استحق الحرمان من تلك الألطاف والفوائد بسبب إقدامه على الكفر وهو الذي أوقع نفسه في ذلك الحرمان فكيف يحسن إضافته إلى الله تعالى في قوله (وَنُقَلِّبُ) وقال القاضي : القلب باق على حالة واحدة إلا أنه تعالى أدخل التقليب والتبديل في الدلائل. واعترض بأن تقليب القلب نقله من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة. أما قوله (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فقال الواحدي : فيه حذف والتقدير ولا يؤمنون بهذه الآيات كما لم يؤمنوا بظهور الآيات أول مرة يعني أول مرة أتتهم الآيات مثل انشقاق القمر وغيره. والكناية في (بِهِ) إما عائدة إلى القرآن ، أو إلى محمد صلىاللهعليهوسلم وآله ، أو إلى ما طلبوا من الآيات وقيل : الكاف للجزاء أي كما لم يؤمنوا أول مرة فكذلك نقلب أفئدتهم وأبصارهم عقوبة لهم. قال الجبائي : (وَنَذَرُهُمْ) أي لا نحول بينهم وبين اختيارهم ولا نمنعهم بمعاجلة الهلاك وغيره لكنا نمهلهم ، فإن أقاموا على طغيانهم فذلك من قبلهم وأنه يوجب تأكيد الحجة عليهم. وقالت الأشاعرة : نقلب أفئدتهم من الحق إلى الباطل ونتركهم في ذلك الطغيان والضلال والعمى.
التأويل : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ) دلالات السعادات الباقية ، فمن أبصرها بنظر البصيرة فاشتغل بتحصيلها وأقبل على الله لسلوك سبيلها فذلك تحصيل لنفسه (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (وَمَنْ عَمِيَ) فبالعكس. (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ) لا تخاطبوا أهل الضلال على مواجب نوازع النفس والطبيعة فيحملهم ذلك على ترك الإجلال وإظهار الضلال ، بل خاطبوهم بلسان الحجة والتزام الحجة ونفي الشبهة. (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) حسبوا أن البرهان يوجب الإيمان ولم يعلموا أنهم مقهورون تحت حكم السلطان ، وما يغني وضوح الأدلة لمن لم تدركه سوابق الرحمة (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) عن الآخرة إلى الدنيا (وَأَبْصارَهُمْ) عن شواهد المولى إلى مشاهدة النفس والهوى كأنهم لم يؤمنوا يوم الميثاق إذ قلت ألست بربكم؟ قالوا بلى.
تم الجزء السابع ويليه الجزء الثامن وأوله (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ)