مالك بن دينار أن شيطان الإنس أشدّ عليّ من شيطان الجن لأني إذا تعوّذت بالله ذهب شيطان الجن عني وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانا. ومعنى الإيحاء الإيماء أو القول السريع أي يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس ، وكذلك بعض الجن إلى بعض ، وبعض الإنس إلى بعض ، وكأنه لا يتصوّر وسوسة الإنس إلى الجن إلا على تقدير القول بالتسخير. و (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) ما يزينه من القول والوسوسة والإغراء على المعاصي ، والتحقيق فيه أن الإنسان ما لم يعتقد في أمر من الأمور خيرية أو نفعا لم يرغب فيه. ثم إن كان هذا الاعتقاد مطابقا للواقع فهو الحق والصدق والإلهام وكان صادرا من الملك وإلا كان مزخرفا أي يكون باطنه فاسدا وظاهره مزينا ، قال الواحدي : (غُرُوراً) نصب على المصدر لأن إيحاء الزخرف من القول في معنى الغرور. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) استدلال الأشاعرة به ظاهر والمعتزلة يحملونه على مشيئة الإلجاء. (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) منصوب على أنه مفعول معه أو مفعول به أي وافتراءهم أو ما يفترونه. قال ابن عباس : يريد ما زين لهم إبليس وغرهم به ، وفيه تحذير من الكفر وترغيب في الإيمان وتسلية لرسول الله صلىاللهعليهوآله وتنبيه له على ما أعد للكفرة من العقاب وله من الثواب بسبب صبره على سفاهتهم وتلطفه بهم. الصغو في اللغة الميل. يقال في المستمع إنه مصغ إذا مال بحاسته إلى ناحية الصوت. وأصغى الإناء إذا أماله حتى انصب بعضه في بعض. ويقال للقمر إذا مال إلى الغروب صغا وأصغى. قال الجوهري : صغا يصغو ويصغي صغوا أي مال ، وكذلك صغى بالكسر يصغي بالفتح صغى وصغيا ، واللام في (وَلِتَصْغى) لا بد لها من متعلق فقالت الأشاعرة : التقدير وإنما جعلنا مثل ذلك الشخص عدوّا للنبي لتميل (إِلَيْهِ) أو إلى قوله المزخرف (أَفْئِدَةُ) الكفار فيبعدوا بذلك السبب عن قبول دعوة النبي (وَلِيَرْضَوْهُ) وليختاروه على أنفسهم (وَلِيَقْتَرِفُوا) وليكتسبوا من الآثام (ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) وقال الجبائي : إن هذا الكلام خرج مخرج الأمر ومعناه الزجر كقوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [الإسراء : ١٤]. وزيف بأن حمل لام كي على لام الأمر تحريف. وقال الكعبي : هي لام العاقبة تقديره : ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين أفئدة الكفار جعلنا لكل نبي عدوا. وعن أبي مسلم أنها معطوفة على موضع (غُرُوراً) والتقدير : يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغتروا بذلك ولتميل قلوب الكفار إلى المذاهب الباطلة. وأورد عليه أن ميل القلوب إلى الآراء الفاسدة هو عين الاغترار فيلزم عطف الشيء على نفسه. وهاهنا بحث وهو أن الأشاعرة قالوا : البنية ليست شرطا للحياة ، فالحي هو الجزء الذي قامت الحياة به ، والعالم هو الجزء الذي قام العلم به. وقالت المعتزلة : الحي والعالم هو الجملة لا ذلك الجزء. حجة الأشاعرة أنه جعل الموصوف