وكافر لحصول المعنى في الكل. وإنما جعل الكفر موتا لأنه جهل والجهل يوجب الحيرة والوقفة فهو كالموت الذي يوجب السكون. وأيضا الميت لا يهتدي إلى شيء وكذلك الجاهل ، والهدى علم وبصيرة وهما يوجبان الفوز بالمطالب كالحياة والنور ، قال بعض العلماء : قوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) إشارة إلى أول مراتب النفس الإنسانية وهي الاستعداد المحض المسماة بالعقل الهيولاني عند الحكيم. وقوله : (فَأَحْيَيْناهُ) إشارة إلى ثانية مراتبها المسماة بالعقل بالملكة وهي أن يحصل لها العلوم الكلية الأولية. وقوله (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً) إشارة إلى ثالثة المراتب وهي التي قد حصلت لها المعقولات المكتسبة ولكنها لا تكون حاضرة بالفعل بل تكون بحيث متى شاء صاحبها استرجاعها واستحضارها قدر عليه ولهذا يسمى عقلا بالفعل أي الفعل القريب ، وقوله : (يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) إشارة إلى رابعة المراتب وهي النهاية المسماة بالعقل المستفاد ، وقد حصلت المعارف القدسية والجلايا الروحانية للنفس حاضرة بالفعل وصار جوهر الروح مشرقا بتلك المعارف مستضيئا بها. ويمكن أن يقال : الحياة عبارة عن الاستعداد القائم بجوهر الروح ، والنور عبارة عن اتصال نور الوحي والتنزيل فإنه لا بد في الإبصار من أمرين : سلامة الحاسة والنور الخارجي من الشمس والسراج ، فكذلك البصيرة لا بد لها في الإدراك من سلامة حاسة العقل ومن طلوع نور الوحي فلهذا قال جمع من المفسرين : المراد بهذا النور القرآن ، ومنهم من قال : نور الدين أو نور الحكمة. والأقوال متقاربة ، وأما مثل الكافر فهو (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) وفيه أن ظلمات الجهل والأخلاق الذميمة صارت كالصفة اللازمة له لا تكاد تزول عنه فيبقى متحيرا خائفا فزعا نعوذ بالله من هذه الحالة. ومعنى المثل هاهنا الصفة الغريبة أي كمن صفته هذه والمراد كمن هو في الظلمات. ثم قال : (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) والمزين هو الله بالتحقيق عند الأشاعرة. والشيطان بالحقيقة أو الله مجازا عند المعتزلة ، والإضافة إلى الله بالحقيقة أو المجاز أولى بدليل قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا) أي وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها كذلك جعلنا ، أو وكما زينا للكافرين أعمالهم كذلك جعلنا (فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ) وهي جمع الأكبر و (مُجْرِمِيها) مضاف إليه والظرف مفعول ثان قدم ليعود الضمير إلى القرية. وقيل : التقدير جعلنا مجرميها أكابر. قال الزجاج : إنما جعل المجرمين أكابر لأنهم لأجل رياستهم أقدر على الغدر والمكر وترويج الأباطيل على الناس من غيرهم ، ولأن كثرة المال وقوّة الجاه تحمل الناس على المبالغة في حفظهما وذلك لا يتم إلا باستعمال بعض الأخلاق الذميمة من المكر والغدر والكذب والغيبة والنميمة والشح والأيمان الكاذبة وكفى بهذه الأمور دليلا على خساسة المال والجاه. واللام في (لِيَمْكُرُوا) على أصله عند الأشاعرة ، واستدلوا به على أن الشر بإرادة الله تعالى. وحمله