على أنه مفعول له أو حال أو مصدر مؤكد لأن قولهم ذلك في معنى الافتراء. ثم قال : (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) والمقصود منه الوعيد ، (وَ) النوع الرابع من قضاياهم الفاسدة أن (قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) يعنون أجنة البحائر والسوائب (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) هذا إن ولد حيا (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) أي اشترك فيه الذكور والإناث ، من قرأ بنصب ميتة فتقديره وإن يكن ما في بطونها ميتة ، ومن قرأ بالرفع فعلى أن «كان تامة» ، أو لأن التقدير : وإن يكن لهم أو هناك ميتة. وإنما جاز تذكير الفعل وتأنيثه لأن تأنيث الميتة غير حقيقي ، أو لأن الميتة لكل ميت ذكر أو أنثى فكأنه قيل : ميت ولهذا جاز عود الضمير إليه مذكرا في قوله : (فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) وتذكير الضمير في قوله : (فَهُمْ) للتغليب (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي جزاء وصفهم على الله الكذب في التحليل والتحريم (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ليكون الزجر واقعا على حد الحكمة وبحسب الاستحقاق. فإن قيل : كيف أنث (خالِصَةٌ) وذكر محرما؟ قلنا : الأول حمل على المعنى لأن ما في بطون الأنعام في معنى الأجنة ، والثاني حمل على اللفظ ، وفي الأول وجهان آخران : أن تكون التاء للمبالغة مثل راوية الشعر وأن يكون مصدرا كالعاقبة والعاقبة أي ذو خالصة. ثم إنه سبحانه جمع قبائح أحكامهم وأفعالهم وحكم عليهم بالخسران والسفاهة وعدم العلم والضلال وعدم الاهتداء فقال (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) الآية. وذلك أن الولد نعمة عظيمة من الله تبقي ذكره ونسله فالسعي في إبطال مثل هذه النعمة لضرر مظنون هو الفقر أو نحوه ، أو لفائدة موهومة هي القربة إلى الأصنام دليل خفة العقل وعدم العلم وأنه موجب لخسران الدارين. وكذا تحريم ما أحل الله من الطيبات بالهوى والتقليد بل لمحض الافتراء على الله وإن ذلك من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، ولهذا سجل عليهم آخرا بالضلال ثم بعدم الاهتداء ليحصل كلا الأمرين لهم بالمطابقة كما حصل بالتضمن والله أعلم.
التأويل : (مُهْلِكَ الْقُرى) أي قرى أشخاص الإنسان (بِظُلْمٍ) وهو صرف الاستعداد الفطري في استيفاء اللذات الفانية (وَأَهْلُها غافِلُونَ) لم يبلغوا مبلغ التكليف بعد. (وَرَبُّكَ الْغَنِيُ) عن كل مخلوق عامة وعن الإنسان خاصة (ذُو الرَّحْمَةِ) خلقهم ليربحوا عليه لا ليربح عليهم. و (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي على ما جبلتم عليه (إِنِّي عامِلٌ) على ما جبلت عليه (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) من الشياطين والنفس والهوى والدنيا (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) لأنهم ذهبوا مذهب الطبع لا مذهب الشرع ، والعمل بالطبع وإن كان فيه نوع مجاهدة النفس لا يكون له نور إذا لم يكن لامتثال الشرع (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا