الإعراب ، وإن كانت اسما للسورة جاز أن يكون (المص) مبتدأ و (كِتابٌ) يعني به السورة خبره والجملة بعده صفة له ، وجاز أن يكون (المص) خبر مبتدأ محذوف وكذا (كِتابٌ) أي هذه المص هو كتاب أنزل إليك. والدليل على أنه منزل من الله تعالى هو أنه ما تلمذ لأستاذ ولا تعلم من معلم ولا طالع كتابا ولم يخالط أهل الأخبار والأشعار وقد مضى على ذلك أربعون سنة ثم ظهر عليه هذا الكتاب المشتمل على علوم الأولين والآخرين فلن تبقى شبهة في أنه مستفاد بطريق الوحي. القائلون بخلق القرآن زعموا أن الإنزال يقتضي الانتقال من حال إلى حال وهذا من سمات المحدثات. وأجيب بأن الموصوف بالإنزال والتنزيل على سبيل المجاز هو الحروف والألفاظ ولا نزاع في كونها محدثة مخلوقة. فإن قيل : الحروف أعراض غير باقية بدليل أنه لا يمكن الإتيان بها إلا على سبيل التوالي وعدم الاستقرار فكيف يعقل وصفها بالنزول؟ أجيب بأنه تعالى أحدث هذه الرقوم في اللوح المحفوظ ثم إن الملك طالع تلك النقوش وحفظها ونزل فعلمها محمدا صلىاللهعليهوآله. ثم قال : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) أي شك. وسمي الشك حرجا لأن الشاك ضيق الصدر حرج كما أن المتيقن منفسح الصدر منشرح ، ومعنى (مِنْهُ) أي من شأن الكتاب أي لا تشك في أنه منزل من عند الله أو من تبليغه أي لا يضق صدرك من الأداء وتوجه النهي إلى الحرج كقولهم لا أرينك هاهنا والمراد نهيه عن الكون بحضرته فإن ذلك سبب رؤيته ومثله قوله تعالى (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) [التوبة : ١٢٣] ظاهره أمر للمشركين وإنه في الحقيقة أمر للمؤمنين بأن يغلظوا على المشركين. وفي متعلق قوله (لِتُنْذِرَ) أقوال. قال الفراء : إنه متعلق بـ (أُنْزِلَ) وفي الكلام تقديم وتأخير أي أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج. وفائدة التقديم والتأخير أن الإقدام على الإنذار والتبليغ لا يتم ولا يكمل إلا عند زوال الحرج عن الصدر. وقال ابن الأنباري : إنه متعلق بالنهي واللام بمعنى كي والتقدير : فلا يكن في صدرك شك كي تقدر على إنذار غيرك لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم وكذلك إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الإنذار لأن صاحب اليقين جسور لتوكله على ربه وثقته بعصمته. وقال صاحب النظم : اللام بمعنى «أن» كقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا) [التوبة : ٣٢] وفي موضع آخر (لِيُطْفِؤُا) [الصف : ٨] والتقدير لا يضق صدرك ولا تضعف عن أن تنذر به. وقيل : إن تقدير الكلام هذا الكتاب أنزله الله عليك وإذا علمت أنه تنزيل الله تعالى فاعلم أن عناية الله معك وإذا علمت هذا فلا يكن في صدرك حرج لأن من كان الله له حافظا وناصرا لم يخف أحدا ، وإذا زال الخوف والضيق عن القلب فاشتغل بالإبلاغ والإنذار اشتغال الرجال الأبطال ولا تبال بأحد من أهل الضلال والإبطال. ثم قال : (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) قال ابن عباس :