للنص بالكلية لا مخصصا. وتقريره أنه لو قبح أمر من كان مخلوقا من النار بسجوده لمن كان مخلوقا من الأرض لكان قبح أمر من كان مخلوقا من النور المحض بسجوده لمن هو مخلوق من الأرض أولى. ويحتمل أن يزيد هذا الجواب بأن الشريف إذا رضي بتلك الخدمة فلا اعتراض عليه وحينئذ لا يقبح أمره بذلك. ثم إن الملائكة رضوا بذلك فلا بأس ، وأما إبليس فإنه لم يرض بإسقاط هذا الحق فقبح أمره بالسجود ، فقياسه يوجب تخصيص النص لا رفعه بالكلية فعلمنا أن استحقاق الذم إنما كان لتخصيص النص بالقياس كما ادعينا. (قالَ) أي الله تعالى كلام تعنيف وتعذيب لا إكرام وتشريف أو قال على لسان بعض ملائكته (فَاهْبِطْ) يعني إذ لم تمتثل أمري فاهبط (مِنْها). قال ابن عباس : يريد من الجنة وكانوا في جنة عدن وفيها خلق آدم. وقال بعض المعتزلة : أمر بالهبوط من السماء التي هي مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة إلى الأرض التي هي مقر العاصين المتكبرين من الثقلين (فَما يَكُونُ) فما يصح (لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) وتعصي (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) من أهل الصغار والهوان. يقال للرجل قم صاغرا إذا أهين. وفي ضده قم راشدا ، قال الزجاج : إن إبليس طلب التكبر فابتلاه الله بالذلة والصغار كما قال النبي صلىاللهعليهوآله : «من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله» (١) (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) طلب الإنظار من الله تعالى إلى وقت البعث وهو وقت النفخة الثانية حين يقوم الناس لرب العالمين ، ومقصوده أنه لا يذوق الموت فلم يعطه الله تعالى ذلك بل (قالَ) مطلقا (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) قيل : إن هذا المطلق مقيد بقوله في موضع آخر (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [ص : ٨١] أي اليوم الذي يموت الأحياء كلهم فيه وهو وقت النفخة الأولى ، وقال آخرون : لم يوقت الله تعالى له أجلا. والمراد الوقت المعلوم في علم الله تعالى والدليل على ذلك أن إبليس كان مكلفا والمكلف لا يجوز أن يعلم أجله لأنه يقدم على المعصية بقلب فارغ حتى إذا قرب أجله تاب فيقبل توبته وهذا كالإغراء على المعاصي فيكون قبيحا. أجاب الأولون بأن من علم الله تعالى من حاله أنه يموت على الطهارة والعصمة كالأنبياء أو على الكفر والمعاصي كإبليس فإن إعلامه بوقت أجله لا يكون إغراء على المعصية لأنه لا يتفاوت حاله بسبب ذلك التعريف والإعلام (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) الإغواء ضد الإرشاد وأصل الغي الفساد ومنه غوى الفصيل إذا بشم والبشم فساد يعرض في جوفه من كثرة شرب اللبن. ولا يمكن أن يتعلق
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب البر حديث ٦٩. الترمذي في كتاب البر باب ٨٢. الدارمي في كتاب الزكاة باب ٣٤. الموطأ في كتاب الصدقة حديث ١٢. أحمد في مسنده (٢ / ٣٨٦) بدون لفظ «ومن تكبّر ...».