باب الغيب فكيف عرف؟ وأجاب بعضهم بأنه كان قد رآه في اللوح المحفوظ فقال على سبيل القطع واليقين. وقال آخرون : إنه قال على سبيل الظن لأنه كان عازما على المبالغة في تزيين الشهوات وتحسين الطيبات فغلب على ظنه أنهم يقبلون قوله ، ولقد صدقه الله تعالى في ذلك الظن حيث قال : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) [سبأ : ٢٠] (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣]. وقيل : إن للنفس تسع عشرة قوة : الحواس الظاهرة والباطنة والشهوة والغضب والقوى السبع الكامنة وهي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة وهي بأسرها تدعو النفس إلى عالم الجسم. وأما التي تدعوها إلى عالم الأرواح فقوة واحدة وهي العقل ، ولا شك أن استيلاء تسع عشرة قوة أكثر من استيلاء واحدة لا سيما وهي في أول الخلقة تكون قوية ، والعقل يكون ضعيفا وهي بعد قوتها يعسر جعلها ضعيفة مرجوحة فلذلك قطع بقوله : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قالَ) الله تعالى في جوابه إذا كان هذا عزمك (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) الذام العيب والذأم يهمز ولا يهمز ، والدحر الطرد والإبعاد وفي المثل : لا تعدم الحسناء ذاما. واللام في (لَمَنْ تَبِعَكَ) موطئة للقسم و (لَأَمْلَأَنَ) جوابه وهو ساد مسد جواب الشرط. وعن عاصم (لَمَنْ تَبِعَكَ) بكسر اللام بمعنى لمن تبعك منهم هذا الوعيد وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) فغلب ضمير المخاطب كما في قوله : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف : ١٣٨] أي إنكم وإنهم على هذا. فقوله : (لَأَمْلَأَنَ) في محل الابتداء و (لَمَنْ تَبِعَكَ) خبره. قال القاضي : كما أن الكافر يتبعه كذلك الفاسق يتبعه فلذلك يجب القطع بدخول الفاسق النار. وأجيب بشرط عدم العفو. قوله : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) الآية. فيها من المسائل أن قوله : (اسْكُنْ) أمر تعبد أو أمر إباحة من حيث إنه لا مشقة فيه فلا يتعلق به التكليف. وأن زوج آدم هي حواء وأن تلك الجنة كانت جنة الخلد أو جنة من جنان السماء أو جنة من جنان الأرض. وأن قوله و (فَكُلا) أمر إباحة لا أمر تكليف. وأن قوله : (وَلا تَقْرَبا) نهي تنزيه أو نهي تحريم. وأن الشجرة المشار إليها شجرة واحدة بالشخص أو بالنوع وإنها أيّ شجرة كانت. وأن ذلك الذنب كان صغيرا أو كبيرا. وأن الظلم في قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) بأي معنى هو؟ وأن هذه الواقعة وقعت قبل نبوة آدم أو بعدها؟ ونحن قد قضينا الوطر عن جميعها في سورة البقرة فلا حاجة إلى الإعادة (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) الوسوسة حديث النفس وهو فعل غير متعد كولولت المرأة ووعوع الذئب والمصدر الوسواس أيضا بكسر الواو والوسواس بالفتح الاسم
__________________
ـ باب ٧٨. ابن ماجه في كتاب الصيام باب ٦٥. الدارمي في كتاب الرقاق باب ١٦. أحمد في مسنده (٣ / ١٥٦ ، ٢٨٥) ، (٦ / ٣٣٧).