قوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) الآية في ص مثله كلاهما في جواب (ما مَنَعَكَ) ظاهر إلا أنه زاد في الحجر لفط الكون فقال : (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) [الآية : ٣٣] ليكون مطابقا للسؤال حيث قيل : ما لك أن لا تكون مع الساجدين.
قوله : (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وفي ص وفي الحجر (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) [الآية : ٣٦] لأنه لما اقتصر في السؤال على الخطاب دون صريح الاسم اقتصر هاهنا أيضا على الخطاب دون ذكر المنادى بخلاف السورتين. وأما زيادة الفاء في السورتين دون هذه السورة فلأن داعية الفاء ما تضمنه النداء من أدعو وأنادي نحو قوله : (رَبَّنا فَاغْفِرْ) [آل عمران : ١٩٣] أي أدعوك فاغفر. فلما حذف النداء في هذه السورة تركت الفاء. وكذلك من قوله : (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) ليطابق الجواب السؤال.
قوله : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) وفي الحجر (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [الآية : ٣٩] بزيادة النداء ليوافق ما قبله. وزاد في هذه السورة الفاء وكذا في «ص» (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) [الآية : ٨٢] لزيادة الربط. ولم يمكن دخول الفاء في «رب» لامتناع النداء منه لأن ذلك يقع مع السؤال والطلب.
(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً) ليس في القرآن غيره وإنما اختص هذا الموضع بذلك لأن اللعين بالغ في العزم على الإغواء فقال : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) إلى آخره فبالغ الله جل وعلا في ذمه إذ الذام أشد الذم.
قوله : (فَكُلا) بالفاء وفي البقرة (وَكُلا) [الآية : ٣٥] لأن اسكن هاهنا من السكنى التي معناها اتخاذ الموضع مسكنا وهذا لا يستدعي زمانا ممتدا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه بل يقع الأكل عقيبه ، وفي البقرة من السكون الذي يراد به الإقامة فلم يصلح إلا بالواو فإن المعنى أجمعا بين الإقامة فيها والأكل من ثمارها ولو كان بالفاء لوجب تأخير الأكل إلى الفراغ من الإقامة. وإنما زاد في البقرة (رَغَداً) لما زاد في الخبر تعظيما بقوله : (وَقُلْنا) قال بعض الأفاضل في الجواب عن هذه المسائل : إن اقتصاص ما مضى إذا لم يقصد به أداء الألفاظ بأعيانها كان اختلافها واتفاقها سواء إذا أدى المعنى المقصود. وهذا جواب حسن إن رضيت به كفيت مؤنة السهر إلى السحر والله أعلم.
التأويل : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) أرواحكم (ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أي خلقنا لأرواحكم أجسادا كما جاء في الحديث «إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي ألف عام» ولتصوير الأجساد بداية وهي قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الأعراف : ١٧٢] فإن لفظ الذرية يقع على المصورين ووسط (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران : ٦]