أشرف أجزاء الصلاة هو الدعاء والذكر ، ويمكن أن يقال : الدعاء بمعنى العبادة فيكون كقوله : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة : ٥] ثم برهن على المعاد ليتحقق الجزاء فقال : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) قال الحسن ومجاهد : كما بدأ خلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئا كذلك تعودون أحياء. وعن ابن عباس : المراد كما بدأ خلقكم مؤمنا أو كافرا تعودون فيبعث المؤمن مؤمنا والكافر كافرا ، فإن من خلقه الله تعالى في أول الأمر للشقاوة يعمل بعمل أهل الشقاوة وكانت عاقبته ذلك ، ومن خلقه للسعادة فإنه يعمل عمل أهل السعادة وكانت عاقبته السعادة. ويؤيد هذا التفسير قوله عقيب ذلك (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) وانتصاب (فَرِيقاً) الثاني بفعل مضمر يفسره ما بعده أي وخذل أو أضل فريقا حق عليهم الضلالة كقولك زيدا مررت به. قال القاضي : المعنى فريقا هدى إلى الجنة والثواب وفريقا حق عليهم الضلالة أي العذاب والصرف عن طريق الثواب لأن هذا هو الذي يحق عليهم دون غيره إذ العبد لا يستحق أن يضل عن الدين إذ لو استحق ذلك لجاز أن يأمر أنبياءه بإضلالهم عن الدين كما أمرهم بإقامة الحدود المستحقة. وأجيب بأن قوله : (هَدى) و (حَقَ) ماض وحمله على المستقبل خلاف الظاهر ، وبأن الهدى إلى الجنة أو الضلال عنها لا بد أن يكون محكوما به في الأزل وخلاف حكمه محال. ثم بيّن ما لأجله حقت على هذه الفرقة الضلالة أعني السبب القريب وإلا فانتهاء الكل إلى مسبب الأسباب فقال : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) فقبلوا دعوتهم دون دعوته ولم يتأملوا في التمييز بين الحق والباطل. ثم بين أن جهلهم مركب لا بسيط فقال : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) وفيه أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في أصول الدين بل لا بد فيه من القطع واليقين.
ثم لما أمر بالقسط وكان من جملته أمر اللباس والمأكول والمشروب وأيضا أمر بإقامة الصلاة وكان ستر العورة شرطا لصحتها فلا جرم قال : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) عن ابن عباس قال : كان أناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفليها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجه الحمر تقيها من الذباب وهي تقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله |
|
وما بدا منه فلا أحله. |
وعن طاوس : لم يأمرهم بالحرير والديباج وإنما كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد ، وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب