والطبيعة. (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) هي طلب الدنيا وحبها (قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا) على محبة الدنيا وشهواتها (وَاللهُ أَمَرَنا) بطلب الكسب الحلال (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) وإنما يأمر بالكسب الحلال بقدر الحاجة الضرورية لقوام القالب بالقوت واللباس ليقوم بأداء حق العبودية وذلك قوله : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ كَما بَدَأَكُمْ) لطفا أو قهرا (تَعُودُونَ) إليه. فأهل اللطف يعودون إليه بالإخلاص والطاعة وأهل القهر الذين حقت عليهم الضلالة يعودون إليه جبرا واضطرارا فيسحبون في النار على وجوههم (خُذُوا زِينَتَكُمْ) فزينة الظاهر التواضع والخضوع ، وزينة الباطن الانكسار والخشوع ، وزينة نفوس العابدين آثار السجود ، وزينة قلوب العارفين أنوار الوجود فالعابد على الباب بنعت العبودية والعارف على البساط بحكم الحرية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) في مقام العندية كما قال : «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» (١) (وَلا تُسْرِفُوا) بالإفراط فوق الحاجة الضرورية والتفريط في حفظ القوة بحيث تضيع حقوق العبودية. (زِينَةَ اللهِ) فزين الأبدان بالشرائع وآثارها ، وزين النفوس بالآداب وأقدارها ، وزين القلوب بالشواهد وأنوارها ، وزين الأرواح بالمعارف وأسرارها ، وزين الأسرار بالطوالع وآثارها ، فمن تصدّى لطلب هذه المقامات فهي مباحة له من غير تأخير وقصور وحظر ومنع (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) ما لم يكن مشوبا بحظوظ النفس ، فهذه الكرامات والمقامات لهؤلاء السادة في الدنيا مشوبة بشواهد الآفات النفسانية وكدورات الصفات الحيوانية (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) من هذه الآفات والكدورات كما قال : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) [الحجر : ٤٧] (الْفَواحِشَ) ما يقطع على العبد طريق السلوك إلى الرب ؛ ففاحشة العوام (ما ظَهَرَ مِنْها) ارتكاب المناهي (وَما بَطَنَ) خطورها بالبال ، وفاحشة الخواص (ما ظَهَرَ مِنْها) تتبع ما لأنفسهم نصيب منه ولو بذرة (وَما بَطَنَ) الصبر على المحبوب ولو بلحظة ، وفاحشة الأخص (ما ظَهَرَ مِنْها) ترك أدب من الآداب أو التعلق بسبب من الأسباب (وَما بَطَنَ) الركون إلى شيء في الدارين والالتفات إلى غير الله من العالمين. (وَالْإِثْمَ) الإعراض عن الله ولو طرفة عين (وَالْبَغْيَ) وهو حب غير الله فإنه وضع في غير موضعه. وأن يستغيثوا بغير الله ما لم يكن فيه رخصة وحجة من الشريعة (وَأَنْ تَقُولُوا) بفتوى النفس وهواها أو بنظر العقل (عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) حقيقتها أو تقولوا في معرفة الله وبيان أحوال السائرين ما لستم به عارفين (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من السائرين إلى الله أو إلى
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الصوم باب ٢٠ ، ٤٨ ، ٤٩. مسلم في كتاب الصيام حديث ٥٧ ، ٥٨. الموطأ في كتاب الصيام حديث ٥٨. أحمد في مسنده (٣ / ٨) ، (٦ / ١٢٦).