هاهنا جملة شرطية فدل على أن مجيء الرسل المتوفين كالغاية ، فحصول ذلك النصيب يكون مقدما على حصول الوفاة وليس ذلك إلا العمر والرزق. ومحل (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) نصب على الحال من الرسل. قال ابن عباس : هم ملك الموت وأعوانه وإنهم يطالبون الكفار بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزجر والتوبيخ. وقال الحسن والزجاج : إن هذا يكون في الآخرة والرسل ملائكة العذاب يتوفون عدّتهم عند حشرهم إلى النار أي يستكملون عدّتهم حتى لا ينفلت منهم أحد. قال في الكشاف : «ما» وقعت موصولة بأين في خط المصحف قلت : وإني رأيت النقل على العكس كما ذكرته في المقدمة السابقة من مقدمات الكتاب ، ومعنى الآية أين الآلهة التي تدعون أي تعبدونهم وتدعونهم في الشدائد (قالُوا) على سبيل الاعتراف والعود إلى الإنصاف (ضَلُّوا عَنَّا) أي غابوا وذهبوا ولم ننتفع بهم (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بالاعتراف أو بشهادة الجوارح عند معاينة الموت (أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) ثم شرح بقية أحوال الكفار وذلك قوله : (قالَ) أي الله. وعن مقاتل هو من كلام خازن النار. وهذا مبني على أنه سبحانه لا يجوز أن يكلم الكفار وإن كان كلام سخط (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) قيل : أي ادخلوا في النار مع أمم والأولى أن لا يلتزم الإضمار والمجاز. والمعنى ادخلوا كائنين في جملة أمم تقدم زمانهم زمانكم في النار. وفيه دليل على أن أصحاب النار لا يدخلون النار دفعة واحدة ولكن فيهم سابق ومسبوق (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) في الدين والعقيدة. فالمشرك يلعن المشرك ، واليهودي يلعن اليهودي ، والنصراني يلعن النصراني ، وكذا المجوس وسائر أديان الضلالة وإذا لعنت نظيرها فلأن تلعن غيرها أولى (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها) أي تداركوا بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار وأدرك بعضهم بعضا واستقر معه (قالَتْ أُخْراهُمْ) أي آخرتهم دخولا في النار (لِأُولاهُمْ) دخولا فيها أو أتباعهم وسفلتهم لرؤسائهم وقادتهم والمعنيان متلازمان عندي لأن المضل لا بد وأن يكون مقدما على الضال في دخول النار. واللام بمعنى التعليل أي لأجل أولاهم وذلك لأن خطابهم مع الله لا معهم (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ) الفاء للجزاء (عَذاباً ضِعْفاً) أي مضاعفا وذلك عذاب الضلال وعذاب الإضلال بالدعوة إلى الباطل وتزيينه في أعينهم والسعي في إخفاء الدلائل. قال أبو عبيدة : الضعف مثل الشيء مرة واحدة وهو قول الشافعي في رجل أوصى فقال : أعطوا فلانا ضعف نصيب ولدي يعطى مثل نصيبه مرتين. وقال الأزهري : العرب تريد بالضعف المثل إلى ما زاد وليس بمقصور على المثلين بدليل قوله عز من قائل : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) [سبأ : ٣٧] وأقل ذلك عشرة لقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] وإنما قال الشافعي ما قال لأن ذلك متقن وما فوقه مشكوك (قالَ) أي الله أو خازن النار (لِكُلٍ) من القادة والأتباع (ضِعْفٌ) أما