أهل الإيمان يستحقرهم المستكبرون ، ولا يكون صفة ذم في حقهم وإنما الذم يعود إلى المستحقرين. وفي الآية دلالة على أن الفقر خير من الغنى لأن الاستكبار يتولد من كثرة المال والجاه والتصديق والانقياد ينشأ من قلتهما (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) قالوه على سبيل التهكم والسخرية لا للاستعلام والاسترشاد. (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) جعلوا إرساله أمرا بينا مكشوفا مسلما لا يدخله ريب وإنما الكلام في وجود الإيمان فنخبركم أنا به مؤمنون ولذلك (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) في جوابهم (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) قال الأزهري : العقر عند العرب كشف عرقوب البعير ثم أطلق على النحر إطلاقا لاسم السبب على المسبب ، وأسند العقر إلى جميعهم مع أنه ما باشره إلا بعضهم لأنه كان برضاهم ، وقد يقال للقبيلة العظيمة أنتم فعلتم كذا ولعله لم يفعله إلا واحد منهم كقوله (وَإِذْ قَتَلْتُمْ) [البقرة : ٧٢] (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) استكبروا عن امتثاله. قال مجاهد : العتو الغلو في الباطل وأمر ربهم شأنه أي دينه ، أو المراد أمر به صالح من قوله (فَذَرُوها وَلا تَمَسُّوها) والمعنى أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوهم فإن الإنسان حريص على ما منع. (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) أطلقوا الوعد وأرادوا ما وعدهم من العذاب واستعجالهم العذاب إنما كان لأجل تكذيبهم بكل ما أخبر عنه من الوعد والوعيد ، ولذلك علقوه بما كانوا ينكرونه وهو كونه من المرسلين (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) قال الفراء والزجاج : هي الزلزلة الشديدة قال تعالى (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) [المزمل : ١٤] قال الليث : هي كرجفان البعير تحت الرحل وكما ترجف الشجرة إذا أرجفتها الريح وهذا لا يناقض ما ورد في موضع آخر أنهم أهلكوا بالطاغية وفي آخر أنهم أهلكوا بالصيحة لأن الطغيان مجاوزة الحد. قال تعالى (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ) [الحاقة : ١١] فالزلزلة هي الحركة الخارجة عن الحد المعتاد ، والغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة الهائلة. (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) أي في بلدهم كقولك : دار الحرب ودار الإسلام. وقد جمع في آية أخرى فقال : (فِي دِيارِهِمْ) [هود : ٦٧] لأنه أراد بالدار ما لكل واحد من منزله الخاص إلا أنه حيث ذكر الرجفة وحد وحيث ذكر الصيحة جمع لأن الصيحة كأنها من السماء فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة. ومعنى (جاثِمِينَ) موتى لا حراك بهم. قال أبو عبيدة : الجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للإبل فجثوم الطير هو وقوعه لاطئا بالأرض في حال سكونه بالليل ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها وهي البهيمة التي تربط وتجمع قوائمها لترمى (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) الفاء للتعقيب. فالظاهر أن صالحا عليهالسلام أدبر عنهم بعد ما أبصرهم جاثمين وكأنه تولى وهو مغتم متحسر على ما فاته من إيمانهم (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي) وحد