ذلك الماء بالكلية شربا لها يوما وشربا للقوم يوما. قال السدي : وكانت الناقة في اليوم الذي بشرب فيه الماء تحلب فيكفي الكل فكأنها كانت تصب اللبن صبا ، وفي اليوم الذي يشربون الماء لا تأتيهم وكانت إذا وقع الحر تصيف بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطن الوادي ، وإذا وقع البرد كان الأمر بالعكس فشق ذلك عليهم وقال لهم صالح : يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه فذبحوا تسعة نفر من أبنائهم ثم ولد العاشر فأبى أن يذبح ابنه فنبت نباتا سريعا ، ولما كبر الغلام جلس مع قوم يشربون الشراب فأرادوا ماء يمزجونه به وكان يوم شرب الناقة فما وجدوا الماء فاشتد ذلك عليهم. فقال الغلام : هل لكم في أن أعقر هذه الناقة فشدّ عليها فلما بصرت به شدّت عليه فهرب منها إلى جانب صخرة فردّوها عليه ، فلما مرت به تناولها فعقرها فسقطت فذلك قوله تعالى (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) [القمر : ٢٩] وأظهروا حينئذ كفرهم وقيل : زينت لهم عقرها امرأتان ـ عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار ـ لما أضرت الناقة بمواشيهما وكانتا كثيرتي المواشي فعقروها واقتسموا لحمها وطبخوه فانطلق فصيلها حتى رقي جبلا اسمه قارة فرغا ثلاثا وكان صالح قال لهم : أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه وانفجرت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح : تصبحون غدا ووجوهكم مصفرة ، وبعد غد ووجوهكم محمرة ، واليوم الثالث ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب. فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله إلى أرض فلسطين. ولما كان اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا. واستبعد بعضهم أن العاقل مع مشاهدة هذه المعجزات والعلامات كيف يبقى مصرا على كفره؟ وأجيب بأنهم عنده مشاهدة العلامات خرجوا عن حدّ التكليف وأن تكون توبتهم مقبولة. عن جابر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما مر بالحجر قال : لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فأخذ بهم الصيحة فلم يبق منهم إلا رجل واحد كان في حرم الله. قالوا : من هو قال صلىاللهعليهوسلم : ذاك أبو رغال. فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه ، وروي أن صالحا كان بعثه إلى قوم فخالف أمره. وروي أن نبينا صلىاللهعليهوسلم مر بقبر أبي رغال فقال : أتدرون من هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. فذكر قصة أبي رغال وأنه دفن هاهنا وأنه دفن معه غصن من ذهب فابتدروه وبحثوا عنه بأسيافهم فاستخرجوا الغصن. وروي أن عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء ونزل بهم العذاب يوم السبت. وروي أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكي فالتفت فرأى الدخان ساطعا فعلم أنهم قد هلكوا وكانوا ألفا وخمسمائة دار ، وروي أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارهم ، ويروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين مر بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين