بالبركة والنماء وصاروا كثيرا في العدة والعدة والشدّة. ثم حذرهم سوء عاقبة من أفسد قبلهم من الأمم وكانوا قريبي العهد مما أصاب المؤتفكة فقال (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) رغبهم أولا ثم رهبهم ثانيا وأكد الترهيب بقوله (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ) الآية. وفيه وعيد للكافرين ووعد للمؤمنين وحث لهم على الصبر على ما يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم بمقتضى العدل والحكمة خير الحاكمين. ثم حكى جواب قومه المحجوجين المستكبرين وذلك قولهم (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي أحد الأمرين كائن لا محالة إما إخراجكم وإما عودكم إلى الكفر. وهاهنا سؤال وهو أن الكفر على الأنبياء محال فكيف يتصور عوده إليه؟ وهب أن قول الكفار ليس حجة أليس قول شعيب حجة حيث قال (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ)؟ وأجيب بأن الكلام بني على التغليب ، وأن شعيبا أراد عود قومه إلا أنه نظم نفسه في جملتهم لما ذكرنا ، أو لعل رؤساءهم قالوا ذلك تلبيسا على القوم وشعيب أجرى كلامه على وفق ذلك ، أو أنه كان في أوّل أمره يخفي مذهبه فتوهموا أنه على دينهم ، أو أريد بالملة الشريعة التي صارت منسوخة بشرعه ، أو يطلق العود على الابتداء كقوله :
وإن تكن الأيام أحسنّ مرّة |
|
إليّ فقد عادت لهن ذنوب. |
قال شعيب في جوابهم (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) الهمزة للاستفهام والواو للحال والتقدير : أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهيتنا؟. ثم صرح بأنه لا يفعل ذلك فقال (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً) إن فعلنا ذلك وذلك أن أصل الباب في النبوة والرسالة صدق اللهجة والبراءة عن الكذب والعود في ملتكم ينافي ذلك. ومعنى قوله (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) بعد أن علمنا قبحه وفساده ونصب الأدلة على بطلانه ، أو المراد نجى قومه فغلب ، أو المراد على حسب زعمكم ومعتقدكم كما مر. قال في الكشاف : وقوله (قَدِ افْتَرَيْنا) إخبار مقيد بالشرط وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون كلاما مستأنفا فيه معنى التعجب كأنهم قالوا : ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر بعد الإسلام لأن الارتداد أعظم من الكفر حيث إن المرتد يزعم أنه قد تبين له ما خفي عليه من التمييز بين الحق والباطل وكفره أزيد. والثاني أن يكون قسما على تقدير حذف اللام معناه والله لقد افترينا على الله كذبا (وَما يَكُونُ لَنا) أي ما ينبغي لنا وما يصح (أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) قال أهل السنة : في الآية دلالة على أن المنجي من الكفر هو الله تعالى وكذا المعيد إليه قال الواحدي : ولم تزل الأنبياء والأكابر يخافون العاقبة وانقلاب الأمر ، ألا ترى إلى قول الخليل عليهالسلام (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [إبراهيم : ٣٥] وكثيرا ما كان يقول