الأبنية المشيدة في السماء كصرح هامان وغيره ، وهاهنا تمت قصة فرعون والقبط. ثم ذكر ما جرى على بني إسرائيل بعد ذلك فقال (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) روي أنه عبر بهم موسى يوم عاشوراء بعد ما أهلك الله فرعون وقومه فصاموه شكرا لله (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ) أي فمروا بقوم (يَعْكُفُونَ) يواظبون (عَلى) عبادة (أَصْنامٍ لَهُمْ) قال ابن جريج : كانت تماثيل بقر وذلك أوّل شأن العجل. وقيل : كانوا قوما من لخم نزلوا بالرقة عن قتادة. وقيل : كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى بقتالهم (قالُوا : يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) ما كافة للكاف عن العمل ولهذا دخلت على الجملة. وكأنهم طلبوا من موسى أن يعين لهم أصناما وتماثيل يتقربون بعباداتها إلى الله تعالى كقول الكفرة (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣]. فتوجه الذم عليهم لأن العبادة نهاية التعظيم سواء اعتقد في المعبود أنه إله واعتقد أنه مقرب من الله ، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام وكأن هذا القول لم يصدر من مشاهير بني إسرائيل وعظمائهم كالسبعين المختارين ، ولكنه صدر عن عوامهم وجهلتهم ولهذا (قالَ) لهم موسى (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) تعجب من قولهم على أثر ما رأوا من الآيات العظمى فوصفهم بالجهل المطلق المؤكد. وعن علي رضياللهعنه أن يهوديا قال له : اختلفتم بعد نبيكم قبل أن يجف ماؤه ، فقال علي : اختلفنا عنه لا فيه. ثم قال : قلتم اجعل لنا إلها ولما تجف أقدامكم (إِنَّ هؤُلاءِ) يعني عبدة تلك التماثيل (مُتَبَّرٌ) أي مكسر مهلك (ما هُمْ فِيهِ) من قولهم إناء متبر إذا كان فضاضا والتبار الهلاك. (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي يتبر الله أصنامهم ويهدم دينهم الذي هم عليه على يدي فيصير إلى الزوال والاضمحلال. وفي إيقاع (هؤُلاءِ) اسما لـ (إِنَ) وفي تقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرا لأن إشارة إلى أن عبدة الأصنام ليسوا على شيء البتة وأن مصيرهم إلى النار لا محالة. (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) انتصب «غير» على الحال المقدمة التي لو تأخرت كانت صفة كما تقول : أبغيكم إلها غير الله. وانتصب (إِلهاً) على المفعول به. قال الواحدي : يقال بغيت فلانا شيئا وبغيته له قال تعالى (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) [التوبة : ٤٧] والمعنى أغير المستحق للعبادة أطلب معبودا (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) خصكم بالنعم الجسام دون أبناء زمانكم. ومعنى الهمزة الإنكار والتعجب مما اقترحوه مع كونهم مغمورين في نعم الله ، فإن الإله ليس شيئا يطلب ويجعل بل الإله هو الموجود بنفسه القادر على الإيجاد والإعدام والإكرام والإنعام. والآية الباقية قد مر تفسيرها في البقرة ، والفائدة في إعادتها هاهنا التعجب والتعجيب ممن اشتغل بعبادة غير هذا المنعم. وإنما قيل هاهنا تقتلون دون (يُذَبِّحُونَ) لتناسب قوله (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) والله أعلم.