عظيمة ومثله لا يليق بالأنبياء. وأقول : الجراءة تحصل بنفس الإلقاء لا بالتكسر الذي لا يتعلق باختياره فكل ما يجعل عذرا عن نفس الإلقاء يصح أن يجعل عذرا عن التكسر (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) أي بشعر رأسه يجره إليه بذؤابته. واعلم أن موسى عليهالسلام كان في نفسه حديدا شديد الغضب وكان هارون ألين منه جانبا ولذلك كان أحبّ إلى بني إسرائيل من موسى. وقد استتبع غضبه أمرين : أحدهما إلقاء الألواح والآخر أخذ رأس أخيه جار إليه ، فزعم مثبتو عصمة الأنبياء أنه جر برأس أخيه إلى نفسه ليسارّه ويستكشف منه كيفية الواقعة لا لأجل الإهانة والاستخفاف ، ثم إن هارون خاف أن يتوهم جهال بني إسرائيل أن موسى فعل ما فعل به إهانة فـ (قالَ يَا بْنَ أُمَ) من كسرها فعلى طرح ياء المتكلم ، ومن فتحها فتشبيها بخمسة عشر لكثرة الاستعمال أو على الألف المبدلة من ياء الإضافة. وإنما أضافه إلى الأم إشارة إلى أن أمهما واحدة على ما روي أنه كان أخاه لأمه ليكون أدعى إلى العطف والرقة لأنها كانت مؤمنة فافتخر بنسبها ولأنها هي التي تحملت فيه الشدائد فذكره حقها (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) استذلوني وقهروني ولم يبالوا بي لقلة أنصاري (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) حين منعتهم عبادة العجل ونهيتهم عنها (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) العابدي العجل فإنهم يحملون هذا الذي تفعل بي على الإهانة لا على الإكرام (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) في اشتراك العقوبة والإذلال ، ولا تعتقد أني واحد منهم. ولا يخفى ما في بعض هذا التفسير من التعسف والتكلف ، والحق أن هذا القدر من الحدة الناشئة من عصبية الدين لا يقدح في العصمة وغايته أن يكون من قبيل ترك الأولى فلذلك (قالَ) موسى (رَبِّ اغْفِرْ لِي) ما أقدمت عليه من الحدة قبل جلية الحال (وَلِأَخِي) أن عساه فرّط في شأن الخلافة ثم أخبر عن مجازاة القوم فقال (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) إلها (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ) كلاهما في الحياة الدنيا. فالغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم والذلة خروجهم من ديارهم وذل الغربة لا يخفى. واعترض بأن قوله (سَيَنالُهُمْ) للاستقبال وفي وقت نزول الآية كان القتل واقعا. وأجيب بأن هذا الكلام حكاية عما أخبر الله تعالى موسى به في الميقات من افتتان قومه وكان سابقا على وقوعهم في الغضب والذلة. قلت : ويجوز أن يكون الآيتان من تتمة قول موسى إلا أن قوله (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) ينبو عن ذلك إلا أن يحمل على الاعتراض. ولما في هذا التفسير من التكلف ذهب به بعض المفسرين إلى أن المضاف في الآية محذوف والتقدير : إن الذين اتخذ آباؤهم العجل يعني الذين كانوا في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم سينالهم غضب من ربهم في الآخرة وذلة في الحياة الدنيا بضرب الجزية ، أو غضب وذلة كلاهما في الدنيا بالقتل