ذلك» (١). ثم كرر (يَسْئَلُونَكَ) للتأكيد ولما نيط به من زيادة قوله (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) فكان السؤال الأول عن وقت قيام الساعة ، والسؤال الثاني عن كنه ثقل الساعة شدتها ومهابتها ولهذا خص باسم الله في قوله (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) لأن أعظم أسماء الله مهابة هو الله ، وأما الرب فيدل على التربية والرحمة دون الهيبة والعزة ، وفي الحفي وجوه : فقيل إنه البار اللطيف و «عن» بمعنى «الباء» أي كأنك بارّ بهم لطيف العشرة معهم وهذا قول الحسن وقتادة والسدي ، والضمير عائد إلى قريش التي ادعت القرابة وجعلوها وسيلة إلى أن يخبرهم بالساعة. والمعنى أنك لا تكون حفيا بهم ما داموا على كفرهم ولو أخبرت بوقتها وأمرت بالإخبار عنها لكنت مبلغه القريب والبعيد من غير تخصيص كسائر ما أوحي إليك. وعلى هذا القول جاز أن يكون (عَنْها) متعلقا بـ (يَسْئَلُونَكَ) أي يسألونك عنها كأنك حفي أي عالم بها فحذف قوله «بها» لطول الكلام أو لأنه معلوم. وقيل : (عَنْها) متعلق بمحذوف. وحفي «فعيل» من حفي فلان بالمسألة أي استقصى ، والمعنى كأنك بليغ في السؤال عنها لأن من أكثر السؤال علم. وهذا التركيب يفيد المبالغة ومنه إحفاء الشارب ، وأحفى في المسألة إذا ألحف. وقيل : المراد كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه وتؤثره يعني أنك تكره السؤال عنها لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أنه مختص بذلك العلم أو لا يعلمون أن القيامة حق وإنما يقولون إن هي إلا حياتنا الدنيا ، أو لا يعلمون السبب الذي لأجله خفيت معرفة وقتها المعين عن الخلق. ثم أمر نبيه بإظهار ذلة العبودية حتى لا ينسب إليه نقص ولا يعاب من قبل عدم العلم بالغيب فقال (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) وفيه أن قدرته قاصرة وعلمه قليل ، وكل من كان عبدا كان كذلك ، والقدرة الكاملة والعلم المحيط ليس إلا لله تعالى. واحتجت الأشاعرة بالآية في مسألة خلق الأعمال قالوا : الإيمان نفع والكفر ضر فوجب أن لا يحصلا إلا بمشيئة الله تعالى. وأجابت المعتزلة بأن المراد لا أملك لنفسي من النفع والضر إلا قدر ما شاء الله أن يقدرني عليه ويمكنني منه. وظاهر الآية وإن كان عاما إلا أنها مخصوصة بصورة النزول. قال الكلبي : إن أهل مكة قالوا : يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح ، وبالأرض التي يريد أن تجدب فترتحل عنها إلى ما قد أخصب ، فأنزل الله هذه الآية. فالمراد بالخير في قوله (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) هو جلب منافع الدنيا وخيراتها من الخصب والأرباح والأكساب.
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٦٩).