وأحسنت إليه بكذا وكذا ثم إنه يقابلني بالشر والإساءة إنه بريء من ذلك. فغرضه من قوله «إنه يقابلني بالشر» النفي والتبعيد. أو نقول : لم لا يجوز أن يكون قوله (جَعَلا لَهُ) على حذف المضاف أي جعلا أولادهما له شريكا؟ وكذا فيما (آتاهُما) أي آتى أولادهما عبر عنهم بلفظ التثنية مرة لكونهم صنفين أو نوعين ذكرا وأنثى وبلفظ الجمع أخرى وهو قوله (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) سلمنا أن الضمير في (جَعَلا) وفي (آتاهُما) لآدم وحواء إلا أنهما كانا عزما أن يجعلا وقفا على خدمة الله وطاعته ثم بدا لهما فكانا ينتفعان به في مصالح الدنيا ، فأريد بالشرك هذا القدر. وعلى هذا فإنما قال تعالى (عَمَّا يُشْرِكُونَ) لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين. أو نقول : إنما سمياه عبد الحرث اعتقادا منهما إنه إنما سلم من الآفات ببركة دعائه ، وقد يسمى المنعم عليه عبد المنعم ومنه قول بعض العلماء أنا عبد من علمني حرفا. فلما حصل الإشراك في لفظ العبد صارا معاتبين بذلك والله تعالى أعلم. ثم أقام الحجة على أن الأوثان لا تصلح للإلهية فقال (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) اعتبر اللفظ أوّلا فوحد والمعنى ثانيا ، وإنما جمع بالواو والنون بناء على معتقدهم أنهم عقلاء. واحتجت الأشاعرة بها في مسألة خلق الأعمال فإنها تدل على أن غير الله لا يخلق ثم بيّن أن المعبود يجب أن يكون قادرا على إيصال النفع ودفع الضر وهذه الأصنام ليست كذلك فقال (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً) وهو المعونة على العدة (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) ولا يدفعون عن أنفسهم مكروها فإن من أراد كسرهم لم يقدروا على دفعه. والحاصل أن الأصنام لا تنصر من أطاعها ولا تقتص ممن عصاها بل عبدتهم هم الذين يدفعون عنهم ويحامون عليهم. ثم ذكر أنها كما لا تنفع ولا تضر فكذلك لا علم لها بشيء من الأشياء وأنها لا يصح منها إذا دعيت إلى الخير والصلاح الاتباع ولا ينفصل حال من يخاطبهم ممن يسكت عنهم فقال (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ) ويجوز أن يكون المراد وإن تطلبوا منهم كما تطلبون من الله الخير لا يتبعوكم إلى مرادكم وطلبتكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله بدليل قوله بعد (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) ثم قوّى هذا الكلام بقوله (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) وإعرابه شبيه بما تقدم في أول سورة البقرة في قوله (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] وإنما عطف الاسمية على الفعلية لأن هؤلاء المشركين كانوا إذا وقعوا في مهم ومعضلة تضرعوا إلى تلك الأصنام ، وإذا لم تحدث تلك الواقعة بقوا ساكتين صامتين فقيل لهم : لا فرق بين إحداثكم دعاءهم وبين أن تستمروا على صمتكم. ثم أكد بيان أنها لا تصلح للإلهية بقوله (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) فسئل أنه كيف يحسن وصف الجمادات بأنها