والله وليّ التوفيق.
التأويل : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) وهو طلب الحق لأنه معروف العارفين (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) الذين يطلبون غير الله (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) في طلب غير الله (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من طلب غير الله (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا) هم أرباب القلوب فإن التقوى من شأن القلب كما قال صلىاللهعليهوسلم : «التقوى هاهنا» وأشار إلى صدره. (طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) نزغ من العمل الشيطاني يراه القلب بنور التقوى ويعرفه فيذكره أنه يفسده ويكدر صفاءه فيجتنبه (وَإِخْوانُهُمْ) يعني إخوان القلوب وهم النفوس الأمارة (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ) أي لم تأت القلوب (بِآيَةٍ) من الله لتعجز النفوس عن تكذيبها (قالُوا) أي النفوس للقلب لو لا اختلقتها من خاصية قلبيتك لتزكية النفوس (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ) إلهام الحق فلا أقدر على تزكية النفوس إلا بقوة الإلهام الرباني. (فَاسْتَمِعُوا) بآذانكم الظاهرة (وَأَنْصِتُوا) بألسنتكم الباطنة (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بالاستماع بالسمع الحقيقي وذلك قوله : «كنت له سمعا وبصرا فبي يسمع وبي يبصر» (١) فمن سمع القرآن من بارئه فقد سمع من قارئه وهذا سر الرحمن علم القرآن فهو المستعد لخطاب (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) بأن تبدل أخلاقها الله (تَضَرُّعاً) في البداية وهو من باب التكلف (وَخِيفَةً) في الوسط (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) في النهاية وهو مقام الفناء فإن إفشاء سر الربوبية كفر في غدوّ الأزل وآصال الأبد ، فإن الذاكر والذكر والمذكور هو الله ولهذا قال في الأزل (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢] ومن هنا قال يوسف بن الحسين الرازي : ما قال أحد الله إلا الله (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) الذين لا يعلمون أن الذاكر والذكر والمذكور هو الله (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وهم الذين بقوا ببقاء الله (يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) لأنهم أفنوا أخلاقهم في أخلاقه (يُسَبِّحُونَهُ) ينزهونه عن الحلول والاتصال والاتحاد (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) في الوجود والعدم من الأزل إلى الأبد منه المبدأ وإليه المنتهى.
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب ٣٨.