الآجل فقال (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي له. والكاف في (ذلِكَ) للرسول أو لكل من له أهلية الخطاب ، في (ذلِكُمْ) للكفرة على طريقة الالتفات ومحله الرفع تقديره : ذلكم العذاب المعجل من القتل والأسر أو العذاب ذلكم ، أو النصب والتقدير : عليكم ذلكم أي الزموه فذوقوه أو هو كقولك زيدا فاضربه. قال في الكشاف : (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) عطف على (ذلِكُمْ) في وجهيه أو نصب على أن الواو بمعنى «مع» والمعنى : ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة. فوضع الظاهر موضع ضمير الخطاب. قلت : ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي وأن للكافرين عذاب النار حق أو بالعكس أي والحكم والشأن أن للكافرين. وفي ذكر الذوق إشارة إلى أن عذاب الدنيا شيء قليل بالنسبة إلى عذاب الآخرة.
قوله سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) قال الأزهري : أصل الزحف هو أن يزحف الصبي على استه قبل أن يقوم ، شبّه بزحف الصبي مشي الطائفتين تتمشى كل فئة مشيا رويدا إلى الفئة الأخرى تتدانى للضرب. فانتصابه على الحال من الفريقين أي ، إذا لقيتموهم متزاحفين هم وأنتم ، ويجوز أن يكون حالا من الذين كفروا. والزحف الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيبا سمي بالمصدر ، والجمع زحوف والمعنى : إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فلا تفروا فضلا عن حالتي المداناة والمساواة ، ويجوز أن يكون حالا من المخاطبين وهم المؤمنون أي إذا ذهبتم إليهم للقتال فلا تنهزموا ومعنى (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم أو هو تقدمة نهي عن الفرار يوم حنين حين تولوا مدبرين وهم زحف من الزحوف اثنا عشر ألفا. وفي قوله (مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) أمارة عليه ، ثم بين أن الانهزام محرم إلا في حالتين فقال (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) هو المكر بعد الفرّ يخيل إلى عدوّه أنه منهزم ثم يعطف عليه وهو نوع من خدع الحرب (أَوْ مُتَحَيِّزاً) أي منحازا (إِلى فِئَةٍ) إلى جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها. وعلى هذا انتصب (مُتَحَرِّفاً) و (مُتَحَيِّزاً) على أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال ووجد صحته من أنه ليس في الكلام نفي ظاهر هو أنه في معنى النفي كأنه قيل : ومن لا يقدم أو لا يعطف عليهم في حال من الأحوال إلا في حال التحرف أو التحيز ، ويجوز أن يكون الاستثناء تاما على أن الموصوف محذوف والتقدير : ومن يولهم دبره إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا. ووزن متحيزا «متفيعل» لأنه من حاز يجوز فعل به ما فعل بأيام ، لو كان «متفعلا» لقيل «متحوزا». عن ابن عمر : خرجت سرية وأنا فيهم ففروا ، فلما رجعوا إلى المدينة استحيوا فدخلوا البيوت فقلت : يا رسول الله نحن