للسحرة ألقوا ما ترغبون فيه ازدراء بشأنهم وقلة مبالاة وثقة بأن الأمر الإلهي يغلب ولن بالكفر كفر. فالجواب من وجوه : أحدها : أنه إنما أمرهم بشرط أن يعلموا في فعلهم أن يكون حقا فإذا لم يكن كذلك فلا أمر البتة كقول القائل : اسقني الماء من الجرة. فهذا إنما يكون أمرا بشرط حصول الماء من الجرة. والثاني : أن موسى علم أنهم جاءوا لذلك فلا بد أن يفعلوه ودفع النزاع في التقديم والتأخير. الثالث : أنه أذن لهم في الإتيان بذلك السحر ليتمكن من الإقدام على إبطاله كمن يريد سماع شبهة ملحد ليبحث عنها ويكشف عن ضعفها يقول له : هات وقل ومراده أن يجيب عنها ويبين لكل أحد ضعفها وسقوطها (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) [الأعراف : ١١٦] قال القاضي : لو كان السحر حقا لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم فثبت أنهم خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه. وقال الواحدي : بل المراد أنهم قلبوا الأعين عن صحة إدراكها بسبب تلك التمويهات. وروي أنهم أتوا بالحبال والعصي ولطخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق دواخل العصي فلما أثر تسخين الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض فخيل إلى الناس أنها تسعى (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) [الأعراف : ١١٦] أي أرهبوهم والسين زائدة كأنهم استدعوا رهبتهم. وقال الزجاج : اشتدت رهبة الناس فبعثوا جماعة ينادون عند إلقاء ذلك أيها الناس احذروا فهذا هو الاسترهاب (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [الأعراف : ١١٦] كما زعموا أن ذلك سحر لا يطيقه سحرة أهل الأرض. عن ابن عباس أنه خيل إلى موسى عليهالسلام أن حبالهم وعصيهم حيات مثل عصا موسى فأوحى الله عزوجل إليه أن الق عصاك. وفي رواية الواحدي عنه أن المراد بالوحي هاهنا الإلهام وهاهنا إضمار والتقدير : فألقاها فإذا هي تلقف. قال الجوهري : لقفت الشيء بالكسر ألقفه وتلقفته أيضا تناولته بسرعة و «ما» في ما يأفكون موصولة أو مصدرية بمعنى ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزوّرونه ، أو أفكهم نحوه ودنوت منه وجدت القشعريرة فقال لي : من الرجل؟ قلت له : من العرب سمعت بك وبجمعك ومشيت معه حتى إذا تمكنت منه قتلته بالسيف وأسرعت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذكرت أني قتلته فأعطاني عصاه وقال : أمسكها فإنها آية بيني وبينك يوم القيامة. وقال عكرمة : إنما أمر الرجل أن يصبر لعشرة والعشرة لمائة حال ما كان المسلمون قليلين فلما كثروا خفف الله عنهم ولهذا قال ابن عباس : أيما رجل فر من ثلاثة فلم يفر ، فإن فر من اثنين فقد فر. والحاصل أن الجمهور ادّعوا أن قوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) ناسخ لحكم الآية المتقدمة وأنكر ذلك أبو مسلم الأصفهاني قال : لأن لفظ الآية ورد على الخبر. سلمنا أنه بمعنى الأمر لكن لم قلتم إن التقدير ليكن العشرون