نسخ شريعة موسى ووضع شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وليكون ردا على النصارى في أن عيسى ومريم عليهماالسلام داخلان في المخلوقات موجودان بإيجاد الله ولا معنى للعبودية إلا هذا. وأيضا لما أخبر عن فناء وجودهم المجازي لم يبق هناك مجيب فأجاب بنفسه (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كقوله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر : ١٦] ولعل في هذه الخاتمة من الأسرار أضعاف ما عثرنا عليه والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
التأويل : أخبر عن كثرة السؤال أنها تورث الملال وذلك أن علوم القال غير علوم الحال ، والصنف الأول يحمد فيه السؤال والثاني يذم فيه ذلك إذ يحصل بالعيان لا بالبرهان كما كان حال الأنبياء عليهمالسلام مع الله (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ) [الأنعام : ٧٥] (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [النجم : ١٨] وقال صلىاللهعليهوسلم «أرنا الأشياء كما هى». وقال الخضر لموسى عليهالسلام (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) [الكهف : ٧٦] وقال موسى في الثالثة (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي) [الكهف : ٧٦] فإن تعلم العلم اللدني بالحال في الصحبة والمتابعة والتسليم. وفي السؤال الانقطاع عن الصحبة (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) أي إن كان لا بد لكم من السؤال عن حقائق فاسألوا عنها بعد نزول القرآن ليخبركم عن حقائقها على قدر عقولكم. (وَاللهُ غَفُورٌ) لمن تاب من طلب علوم الحقائق بالقال (حَلِيمٌ) لمن يطلب بالحال فيصدر عنه في أثناء الطلب سؤال (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) كقدماء الفلاسفة أعرضوا عن متابعة الأنبياء وأقبلوا على مجرد القيل والقال ، فوقعوا في أودية الشبهات والضلال (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) قال الشيخ المحقق نجم الدين : المعروف بداية هم الحيدرية والقلندرية يشقون آذانهم وذكورهم ويجعلون فيها حلق الحديد ويحلقون لحيتهم (وَلا سائِبَةٍ) هم الذين يضربون في الأرض خليعي العذار بلا لجام الشريعة وقيد الطريقة ويدعون أنهم أهل الحقيقة (وَلا وَصِيلَةٍ) هم أهل الإباحة الذين يتصلون بالأجانب بطريق المؤاخاة والاتحاد ويرفضون صحبة الأقارب لأجل العصبية والعناد (وَلا حامٍ) وهو المغرور بالله يظن أنه بلغ مقام الحقيقة فلا يضره مخالفات الشريعة. (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) من الأحكام (وَإِلَى الرَّسُولِ) لمتابعته (قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي مشايخنا وأهل صحبتنا (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً) من الشريعة والطريقة (وَلا يَهْتَدُونَ) إلى الحقيقة. (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي اشتغلوا أوّلا بتزكية نفوسكم ثم بإرشاد الغير فإن الفريق الذي لم يتعلم السباحة إذا تشبث به مثله هلكا معا (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) فللطالبين بجذبات العناية وللمضلين بسلاسل القهر والنكاية (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي النفس تموت عن صفاتها الذميمة بالرياضة والمجاهدة فتوصي بصفاتها لورثتها وهم القلب وأوصافه والوصيان (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) هما العقل والسر