منهم مسلمين ، وإن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله ، وخفي عليهم أن قتلهم أعزّ للإسلام وأهيب لمن وراءهم. قال ابن عباس : هذا الحكم إنما كان يوم بدر لأن المسلمين كانوا قليلين فلما كثروا وقوي إسلامهم أنزل الله بعد ذلك في الأسارى (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤] قال بعض العلماء : هذا الكلام يوهم أن مقتضى الآيتين مختلف وليس كذلك فإن كلتاهما تدل على أنه لا بد من تقديم الإثخان على الداء. وعن سعيد بن جبير (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) بأنه سيحل لكم الفدية وكأن قرب الوقت من التحليل يوجب تخفيف العقاب. وقال محمد بن إسحق (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) أنه لا يعذب أحدا إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهي. وحاصل هذا القول يرجع إلى ترك الأولى ذلك أن الأولى وغير الأولى يشتركان في كونهما مباحين وإنما يعاتب على ترك الأولى لا على سبيل العقوبة بل على سبيل الحث على فعل الأولى. وعن بعضهم المراد حكم الله بأنه لا يعذب من شهد بدرا. واعترض بأنه يلزم أن لا يكونوا مكلفين. والجواب أن عدم العقاب على الذنب لا يوجب عدم التكليف فلعل التكليف لأجل زيادة الثواب. وقيل : لو لا كتاب سبق بالعفو عن هذه الواقعة لكان استحقاق مس العذاب حاصلا. روي أنهم أمسكوا عن الغنائم أو عن أخذ الفداء لأنه من جملة الغنائم فنزلت (فَكُلُوا) والفاء للتسبيب ومعنى الآية قد أبحت لكم الغنائم فكلوا و (حَلالاً) نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلا حلالا (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما يستقبل فلا تقدموا على شيء لم تؤمروا به (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لما فرط منكم من ترك الأولى (رَحِيمٌ) فبذلك رخص لكم فيما رخص من أخذ الفداء ثم قال لاستمالة قلوب الأسارى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ) إن يظهر معلومه أن (فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) وهو الإيمان والعزم على طاعة الله وطاعة رسوله في جميع التكاليف والتوبة عن الكفر وعن جميع المعاصي ويدخل فيه العزم على نصرة الرسول والتوبة عن محاربته (يُؤْتِكُمْ) في الدنيا (خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) من المنافع العاجلة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) في الآخرة ، أو المراد بالخير إيصال الثواب وبالمغفرة إزالة العقاب. ثم إنا قد نعلم أن كل من خلص من الأسر وآمن فقد آتاه الله في الدنيا خيرا لدلالة الآية على ذلك إجمالا ، وذلك الخير إن كان دينيا فلا شك أن كلهم قد وجدوا ذلك لأن قليل الدنيا مع الإيمان أعظم من كثير الدنيا مع الكفر ، وإن كان دنيويا فتفضيل ذلك غير معلوم إلا ما روي عن بعضهم كالعباس روى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا ، فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ ما قدر على حمله وكان يقول : هذا خير مما أخذ مني وأنا أرجو