مساكنهم ومزارعهم وضيعاتهم وبقيت في أيدي الأعداء واحتاجوا إلى الإنفاق في تلك العزيمة والسفرة وفي الغزوات والمحاربات ، وأما المجاهدة بالأنفس فيكفي في وصف ذلك أنهم أقدموا على قتال أهل بدر من غير آلة ولا عدّة والأعداء في غاية الكثرة ونهاية الشدّة ، وذلك يدل على أنهم أزالوا أطماعهم عن الحياة وبذلوا أرواحهم في سبيل الله وكانوا أول الناس إقداما على هذه الأفعال والتزاما لهذه الخصال ، ولهذه المسابقة أثر عظيم في تقوية الدين (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) [الحديد : ١٠] وذلك أن غيرهم يقتدي بهم وتقوى دواعيهم بما يرون منهم ، والمحن تخف على القلوب بالمشاركة ، ولأن المهاجرين لهم سابقة في الإسلام ذكر الله تعالى الأنصار بعدهم فقال (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) أي الذين أنزلوا المهاجرين بهم وجعلوا لهم مأوى أي نصروهم على أعدائهم (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أطبق جم غفير من المفسرين كابن عباس وغيره على أن المراد بهذه الولاية الإرث ؛ كان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون القرابة حتى نسخ ذلك بقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) واستبعد الإمام فخر الدين الرازي رحمهالله هذا التفسير لأنه يستلزم النسخ واستلزام النسخ محذور منه ما أمكن ، ولأن لفظ الولاية يشعر بالقرب حيث يطلق دون الإرث كقولهم : السلطان ولي من لا ولي له. وقال سبحانه (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [يونس : ٦٢] فإذن المراد أن المهاجرين والأنصار يعظم بعضهم بعضا وبينهم معاونة وتناصر وأنهم يد واحدة على الأعداء ، وأن حب كل واحد لغيره جار مجرى حبه لنفسه ، أما قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فوجهت قراءة حمزة بأن تولي بعضهم بعضا شبه بالعمل والصناعة والتجارة والقصارة كأنه بتولية صاحبه يزاول أمرا ويباشر عملا. قال المفسرون : لا يجوز أن يكون المراد بهذه الولاية النصرة والمعونة وإلا لم يصح عطف (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ) عليه لأن الشيء لا يعطف على مثله ، فالمراد بها الإرث كما مر. وأجيب بأنا لو حملناهما على التعظيم زال الإشكال وحصل التغاير لأن أهل الإيمان قد ينصر بعض أهل الذمة في بعض الأحوال مع أنهم لا يوالونهم بمعنى الإجلال والتعظيم ، وكذا قد ينصر المرء عبده ولا تعظيم جعل الله تعالى حكم هؤلاء المؤمنين متوسطا بين الأولين وبين الكفرة من حيث إنه نفى عنهم الولاية قبل أن يهاجروا وأثبت لهم النصرة عند الاستنصار إلا على الكفار المعاهدين لأنهم لا يبدأون بالقتال. ثم قال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ظاهره إثبات الموالاة بينهم والغرض نهي المسلمين عن موالاتهم وإن كانوا أقارب ، وأن يتركوا