الأشهر الحرام إلا أن يقاتلوا وما نسخت. وعن الحسن مثله لأنه فسر الدين القيم بأنه الثابت الدائم الذي لا يزول. وعن عطاء الخراساني : أحلت القتال في الأشهر الحرم (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) وقيل : معناه لا تأثموا فيهن بيانا لعظم حرمتهن كما عظم أشهر الحج بقوله (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) [البقرة : ١٩٧] والسبب فيه أن لبعض الأوقات أثرا في زيادة الثواب أو العقاب كالأمكنة ، وكانت الحكماء يختارون لإجابة الدعاء أوقاتا مخصوصة. وفيه فائدة أخرى هي أن الإنسان جبل مطبوعا على الظلم والفساد ، ومنعه من ذلك على الإطلاق شاق عليه فخص بعض الأزمنة والأمكنة بطاعة ليسهل عليه الإتيان بها فيهما ولا يمتنع عن ذلك. ثم لو اقتصر على ذلك فهو أمر مطلوب في نفسه وإن جره ذلك إلى الاستدامة والاستقامة بحسب الإلفة والاعتياد أو لاعتقاده أن الإقدام على ضد ذلك يبطل مساعيه السالفة فذلك هو المطلوب الكلي. ولا ريب أن تخصيص ذلك من الشارع أقرب إلى اتحاد الآراء وتطابق الكلمة. وقيل : الضمير في قوله (فِيهِنَ) عائد إلى (اثْنا عَشَرَ) والمقصود منع الإنسان من الإقدام على الفساد مدة عمره ، أو المراد المنع من النسيء على ما يجيء. قال الفراء : الأولى رجوع الضمير إلى الأربعة لقربها ولما ذكرنا أن لهذه الأشهر مزيد شرف ، فناسب أن تخص بالمنع من الظلم ، ولأن العرب تختار فيما بين الثلاثة إلى العشرة ضميرا الجماعة ، وفيما جاوز العشرة وهو جمع الكثرة تختار ضمير الوحدة. قال حسان :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى |
|
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما |
ويقال : لثلاث خلون من شهر كذا ولإحدى عشرة ليلة خلت. ثم قال عز من قائل (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ) وظاهر الآية يدل على إباحة القتال في جميع الأشهر لأن الأمر الوارد عقيب الحرمة يدل على الإباحة. ومعنى (كَافَّةً) جميعا لأنهم إذا اجتمعوا تزاحموا فكف بعضهم بعضا. ونصبه على المصدر عند بعضهم لأنه مثل العاقبة والعافية. وقال الزجاج : نصبه على الحال. ولا يجوز أن يثنى ويجمع ويعرف باللام كقولك : قاموا معا وقاموا جميعا. وفي وجه التشبيه في قوله (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) قولان : فعن ابن عباس : قاتلوهم بكليتهم ولا تحابوا بعضهم بترك القتال كما أنهم يستحلون قتال جميعكم. وقيل : قاتلوهم بأجمعكم غير متفرقين في مقاتلة الأعداء ومقابلتهم. فعلى الأول يكون (كَافَّةً) حالا من المفعول وعلى الثاني يكون حالا من الفاعل وفي قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) حث لهم على التقوى وعلى الجهاد بضمان النصر والمعونة. ثم فسر الظلم المنهي عنه في الآية المتقدمة وأكد النهي عنه بقوله (إِنَّمَا النَّسِيءُ) وهو مصدر نسأ إذا أخر كالنذير والنكير. وقال