طيبة بها نفوسكم». قيل : الكفر بالله سبب مستقل في منع القبول فكيف ضم إليه الأمرين الآخرين؟ والجواب أنها أمارات ويجوز توارد الأمارات المتعددة على شيء واحد. بوجه آخر أطلق كفرهم أولا ثم قيده بعدم اعتقادهم وجوب الصلاة والزكاة ، وبعبارة أخرى حكم عليهم بالكفر مطلقا ثم خص من أنواع كفرهم هذين تفظيعا لشأن تارك الصلاة والزكاة. قال في الكشاف : وقرأت في بعض الأخبار أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كره للمؤمن أن يقول كسلت كأنه ذهب إلى هذه الآية ، وأن الكسل من صفات المنافقين. قال بعض العلماء : وجه الجمع بين قوله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة : ٧] وبين مضمون هذه الآية وهو أن شيئا من أعمال البر لا يكون مقبولا عند الله مع الكفر ، هو أن يصرف ذلك إلى تأثيره في تخفيف العقاب. ولقائل أن يقول : لو لم يكن مقبولا بوجه لم يكن له في التخفيف أيضا أثر. وقيل : في الآية دلالة على أن الصلاة لازمة للكفار وإلا لم يكن الإتيان بها على وجه الكسل مانعا من تقبل طاعاتهم كما أن قيامهم وقعودهم وسائر تصرفاتهم على وجه الكسل ليس مانعا من التقبل بالإنفاق. ثم لما قطع رجاء المنافقين عن منافع الآخرة أراد أن يبيّن أن ما يظنونه من منافع الدنيا فهو أيضا في الحقيقة سبب لتعذيبهم وبلائهم وتشديد المحنة عليهم فقال مخاطبا للرسول صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد (فَلا تُعْجِبْكَ) الآية. ونظيره (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) [طه : ١٣١] وإنما قال (فَلا تُعْجِبْكَ) بالفاء لأن ما قبله مستقبل يصلح للشرط أي إن يكن فيهم ما ذكرنا من الإتيان بالصلاة على وجه الكسل وغير ذلك فهذا جزاؤه ، وهذ بخلاف ما سيجيء في الآية الأخرى من هذه السورة. والإعجاب سرور المرء بالشيء مع نوع من الافتخار واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه ، وأنه من البعيد في حكم الله أن يزيل ذلك الشيء عنه ويحصله لغيره كقوله (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) [الكهف : ٣٥] ولا شك أن هذه خصلة مذمومة من جهة استغراق النفس في ذلك الشيء وانقطاعها عن الله ، ومن جهة استبعاد إزالته في قدرة الله ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم «ثلاث مهلكات : شح مطاع وهوى متيع وإعجاب المرء بنفسه» والمقصود من الآية زجر الناس عن الانصباب إلى الدنيا والمنع من التهالك في حبها ، فإن المسكن الأصلي هو الآخرة لا الأولى. وقوله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) إعرابه كما مر في قوله (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء : ٢٦] قال مجاهد والسدي وقتادة : في الآية تقديم وتأخير والتقدير : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة كأنهم نظروا إلى أن المال والولد لا يكونان عذابا بل هما من نعم الله تعالى على عباده ، وأورد عليه أنهما لا يكونان عذابا في الآخرة أيضا. فإن