رسول الله صلىاللهعليهوسلم : احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون. وقيل : هم المؤلفة قلوبهم. ثم بيّن أن عيبهم ذلك وسخطهم لأجل نصيب نفسهم لا للدين فقال (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا) وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم استعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفير الغنائم عليهم فضجر المنافقون. ومعنى (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) فهم يسخطون. وفائدته أن يعلم أن الشرط مفاجىء للجزاء ومتهجم عليه. ثم أرشدهم إلى ما صلاحهم في نفس الأمر فقال (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا) الآية ورتبه على أربع مراتب : الأولى : الرضا بما آتاهم الله ورسوله لعلمهم بأنه تعالى حكيم يعلم عواقب الأمور ، فكل ما كان حكما له وقضاء منه كان حقا وصوابا ولا اعتراض عليه. الثانية : أن يظهر أثر ذلك الرضا على لسانهم وهو قولهم (حَسْبُنَا اللهُ) كفانا فضله وصنعه ، لغيرنا المال ولنا الرضا والتسليم وذكر الحبيب. الثالثة : أن نزل من هذه المرتبة العالية كان واثقا بأن الله لا يهمله وسيعوضه من فضله في غنيمة أخرى. الرابعة الرغبة إلى الله بأنه المقصد الحقيقي والمقصود الأصلي من الإيمان والطاعة والمال والمنال. يروى أن عيسى عليه الصلاة والسلام مر بقوم يذكرون الله فقال : ما الذي يحملكم عليه؟ قالوا : الخوف من عقاب الله. فقال : أصبتم. ومر على قوم آخرين يذكرون الله فقال : ما الذي حملكم عليه؟ فقالوا : الرغبة في الثواب. فقال : أصبتم. ومر على قوم ثالث مشتغلين بالذكر فسألهم فقالوا : لا نذكره للخوف من العقاب ولا للرغبة في الثواب بل لإظهار ذلة العبودية وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته وتشريف اللسان بذكره. فقال : أنتم المحقون.
التأويل : (إِنْ تُصِبْكَ) يا روح (حَسَنَةٌ) من عواطف الحق تحزن النفس وصفاتها فبها تظفر الروح عليها (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) من الموانع والقواطع أخذنا نصيبنا من المراتع الحيوانية لما خالفناه في السير إلى العالم الروحاني. (قُلْ) يا روح (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) لا علينا فإن الفترات والوقفات للتربية لا للرد. وانظر وقل (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا) أيتها النفس وصفاتها (إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) الإحسان والعواطف الربانية والوقفة والفترة الموجبة لحسن التربية. (بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) هو الابتلاء بالمصائب من الخوف والجوع وغيرهما (أَوْ بِأَيْدِينا) بالمنع من المخالفات وبكثرة الرياضات والمجاهدات (طَوْعاً) أو رياء (أَوْ كَرْهاً) أي نفاقا (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) لأن أعمال اللسان وغيره من الجوارح من غير عمل القلب ليست بمقبولة وإن كان عمل القلب بدون الجوارح مقبولا لقوله صلىاللهعليهوسلم «نية المؤمن أبلغ من عمله» وباقي الآيات إشارات إلى أن من أمارات النفاق عدم الرضا بقسمة الخلاق وحال المخلص بالعكس.