فيما وراء ذلك العدد بخلافه لما روي أنه لما نزلت الآية قال صلىاللهعليهوسلم : لأزيدن على السبعين فنزل (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [المنافقون : ٦] فكف عنه. فلو لا أنه فهم بدليل الخطاب أن الأمر فيما وراء السبعين بالخلاف لم يقل لأزيدنّ على ذلك. وأجيب بأنه أراد إظهار الرحمة والرأفة بأمته ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم لبعض لا أنه فهم منه ذلك ، كيف وقد قال تعالى (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وأردفه بقوله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ). فليس المقصود بهذا العدد تحديد المنع وإنما هو كقول القائل لمن يسأله حاجة : لو سألتني سبعين مرة لم أقضها. ولهذا بين العلة التي لأجلها لا ينفعهم استغفار الرسول وهي كفرهم وفسقهم ، وهذا المعنى قائم في الزيادة على السبعين. وذكر بعضهم لتخصيص السبعين وجها هو أن السبعة عدد شريف لأنه عدد السموات والأرضين والبحار والأقاليم والنجوم السيارة والأعضاء وأيام الأسبوع ، فضرب السبعة في عشرة لأن الحسنة بعشر أمثالها. وقيل : خص بالذكر لأنه صلىاللهعليهوسلم كبّر على حمزة سبعين تكبيرة وكأنه قال : إن تستغفر لهم سبعين مرة بإزاء تكبيراتك على حمزة. هذا وقد مر في تفسير قوله (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [التوبة : ٥٣] أن هذا أمر في معنى الخبر كأنه قيل : لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لا ، وانتصاب سبعين على المصدر كقولك : ضربته عشرين ضربة. ثم ذكر نوعا آخر من قبائح أفعالهم فقال (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) قيل : إنهم احتالوا أن يتخلفوا وكان الأولى أن يقال فرح المتخلفون. وأجيب بأنهم استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأذن لهم وخلفهم بالمدينة في غزوة تبوك ، أو أريد خلفهم كسلهم ونفاقهم والشيطان ، أو المجاهدون لما لم يوافقوهم في القعود فكأنهم خلفوهم ، أو أطلق عليهم المخلفون باعتبار أنهم سيصيرون ممنوعين من الخروج في الآية الآتية (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) إلى قوله (وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) ومعنى (بِمَقْعَدِهِمْ) بقعودهم قاله مقاتل. أو بموضع قعودهم وهو المدينة قاله ابن عباس. ومعنى (خِلافَ رَسُولِ اللهِ) صلىاللهعليهوسلم مخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين سار وأقاموا قاله قطرب والزجاج فانتصابه على أنه مفعول له أي قعد والأجل خلافه أو على الحال مثل «فأرسلها العراك» أي مخالفين له. وقال الأخفش ويونس : الخلاف بمعنى الخلف أي بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك أن جهة الأمام التي يقصدها الإنسان يخالفها جهة الخلف (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا) كيف لا يكرهون وليس فيهم باعث الإيمان وداعي الإخلاص ومعهم صارف الكفر والنفاق؟ وفيه تعريض بالمؤمنين الباذلين أموالهم وأرواحهم في الله المؤثرين ذلك على الدعة والخفض. واعلم أن الفرح بالإقامة يدل على كراهية الذهاب إلا أنه صريح بذلك للتوكيد ، ولعل المراد أنه مال طبعهم إلى الإقامة لإلفهم بالبلد واستئناسهم بالأهل والولد ، وكرهوا الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس