حبسوا أنفسهم وصبروا وثبتوا وندموا. وقيل : ما كان إلا حديث نفس بلا عزيمة ومع ذلك خافوا أن يكون معصية. الرابع : ذكر التوبة في أول الآية فلم كررها في قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ)؟ الجواب إن عاد الضمير في (عَلَيْهِمْ) الى الفريق فلا تكرار ، وإن عاد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم والمهاجرين والأنصار جميعا فالتكرير للتوكيد مع رعاية دقيقة هي أن التوبة اكتنفت الذنب من جانبيه ، وذلك أنه بدأ بذكر التوبة قبل ذكر الذنب تطييبا لقلوبهم ثم ذكر الذنب ، ثم أردفه بذكر التوبة ليدل على أن العفو عفو متأكد كما يقول السلطان عند كمال الرضا : عفوت عنك ثم عفوت عنك. وإليه الإشارة بقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يغفر ذنب الرجل المسلم عشرين مرة». وقال ابن عباس في تفسير قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) يريد ازداد عنهم رضا. ثم أكد هذه المعاني بقوله (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) فيشبه أن يراد بالرأفة إزالة الضرر ، وبالرحمة إيصال المنفعة. أو الأوّل رحمة سابقة ، والثاني لاحقة. الخامس : الثلاثة الذين خلفوا من هم؟ الجواب هم المرجون لأمر الله كما مرّ ، سمّوا مخلفين كما سموا مرجئين أي مؤخرين عن أبي لبابة وأصحابه حيث تيب عليهم بعد أولئك. وقيل : لأنهم خلفوا عن الغزو ومثله قراءة من قرأ بالتخفيف أي خلفوا الغازين. وقيل : المخلف من خلوف الفم أي فسدوا ، وقرأ جعفر الصادق عليهالسلام : خالفوا. (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ) مع سعتها وهو مثل للحيرة في الأمر ، (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور (وَظَنُّوا) أي علموا وتيقنوا (أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ) سخط (اللهِ إِلَّا) إلى استغفاره كقوله صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بك منك». وقيل : الظن بمعناه الأصلي وهو الرجحان وذلك أنهم ما كانوا قاطعين بأن ينزل الله في شأنهم قرآنا ، وإن سلم أنهم قطعوا بذلك إلا أنهم جوزوا أن تكون المدة قصيرة وجواب «إذا» محذوف والتقدير حتى إذا كان كذا وكذا تاب عليهم ، وحسن حذفه لتقدم ذكره. عن كعب بن مالك قال : لما قفل رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلمت عليه فرد عليّ كالمغضب بعد ما كان ذكرني في الطريق وقال : ليت شعري ما خلف كعبا فقيل له : ما خلفه إلا حسن برديه والنظر في عطفيه. فقال : معاذ الله ما أعلم إلا فضلا وإسلاما ونهى عن كلامنا ـ أيها الثلاثة ـ فتنكر لنا الناس ولم يكلمنا أحد من قريب ولا بعيد ، فلما مضت أربعون ليلة أمرنا أن نعتزل نساءنا ولا نقربهن ، فلما تمت خمسون ليلة إذا أنا بنداء من ذروة سلع ـ وهو جبل بالمدينة ـ أبشر يا كعب بن مالك فخررت ساجدا وكنت كما وصفني ربي (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) [التوبة : ٢٥] وتتابعت البشارة فلبست ثوبي وانطلقت الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون فقال إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول إلي حتى صافحني وقال : لتهنك توبة