بعينه للإجماع وأن أصحاب الأعذار من الضعفاء والمرضى ونحوهم مخصوصون بالعقل وبالنقل فيبقى ما وراء هاتين الصورتين داخلا تحت عموم الآية. ثم ذكر ترغيبا يجري مجرى علة المنع من التخلف فقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) أي الوجوب الدال عليه بقوله : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) بسبب أنهم مثابون على أنواع المتاعب وأصناف الشدائد بل على جميع الحركات والسكنات مدة الذهاب والإياب. والظمأ شدة العطش ، والنصب الإعياء والتعب ، والمخمصة المجاعة الشديدة التي تظهر ضمور البطن ، والموطئ إما مصدر كالمورد أو مكان وعلى التقديرين الضمير في (يَغِيظُ) عائد إلى الوطء الصريح أو المقدر. ثم الوطء يجوز أن يكون حقيقة فيراد به الدوس بالأقدام وبحوافر الخيول وبأخفاف الإبل ، ويجوز أن يكون مجازا فيراد به الإيقاع والإهلاك. قال ابن الأعرابي : غاظه وغيظه وأغاظه بمعنى. ويقال نال منه إذا رزأه ونقصه وهو عام في كل ما يسوءهم ويلحق بهم ضررا من قتل أو أسر أو غنيمة أو هزيمة ، والمراد أنهم لا يتصرفون في أرض الكفار تصرفا يغيظهم ويرزؤهم شيئا إلا كتب لهم به عمل صالح. وفيه دليل على أن من قصد طاعة الله كان قيامه وقعوده ومشيه وحركته وسكونه كلها حسنات مكتوبة عند الله ، وكذا القول في طرف المعصية ولكن بالضد فما أعظم بركة الطاعة وما أشد شؤم المعصية. وبهذه الآية استشهد أصحاب أبي حنيفة أن المدد القادم بعد انقضاء الحرب يشارك الجيش في الغنيمة لأن وطء ديارهم مما يغيظهم وينكي فيهم. وقال الشافعي : لا يشاركون الغانمين في الغنيمة وإن شاركوهم في الثواب لأن الغنيمة من خواص المحاربين ومن قد تعاطى خطرا. قال قتادة : هذا الحكم من خواص رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا غزا بنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر. وقال ابن زيد : هذا حين كان في المسلمين قلة فلما كثروا نسخه الله بقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً). وقال عطية : ما كان لهم التخلف إذا دعاهم الرسول وأمرهم. قال العلماء : وكذلك غيره من الأئمة والولاة إذا عينوا طائفة لأنا لو جوزنا للمندوب أن يتقاعد لم يختص بذلك بعض دون بعض فيؤدي الى تعطيل الجهاد. قوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً). قال المفسرون : يريد تمرة فما فوقها وعلاقة سيف أو سوط وما أربى عليها مثل ما أنفق عثمان في جيش العسرة (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) أي أرضا في ذهابهم ومجيئهم وهذا شائع في استعمال العرب يقولون : لا تصل في وادي غيرك. وهو في الأصل فاعل من ودى إذا سال. والوادي كل منعطف بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل. (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ذلك الإنفاق والقطع أو ذلك العمل الصالح المعهود في الآية المتقدمة. ثم ذكر غاية الكتب فقال : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) أي أثبت في صحائفهم