عليه ، وإن أمكنه في الحضر فلا شك أن للسفر بركة أخرى يعرفها كل من زاول الأسفار وحاول الأخطار. ومعنى (لِيَتَفَقَّهُوا) ليتكلفوا الفقاهة في الدين ويتجشموا المتاعب في دلائلها التفصيلية. والظاهر أن المراد في الآية أعم من ذلك بحيث يشمل علوم الشرع كلها من التفسير والحديث وأصول الدين وأصول الفقه ومقدمات كل من ذلك وغاياتها بحسب الإمكان النوعي أو الشخصي. وفي قوله : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) إشارة إلى أن الغرض الأصلي من التعلم هو الإنذار والإرشاد لا ما يقصده علماء السوء من الأغراض الفاسدة كالمطاعم والملابس والمناصب والمفاخر ، أعاذنا الله تعالى بفضله من قبح النية وفساد الطوية ، وجعلنا ممن لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا. القائلون بأن خبر الواحد حجة قالوا : أوجب الله تعالى أن يخرج من كل فرقة طائفة ، والخارج من الثلاثة اثنين أو واحدا. ثم إنه أوجب العمل بأخبارهم بقوله : (وَلِيُنْذِرُوا) وأجيب بأن إيجاب الإنذار لا يدل على وجوب العمل لأن الشاهد الواحد يلزمه أداء الشهادة وإن لم يلزم القبول ورد بأن قوله : (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) إيجاب للعمل بأخبارهم. ثم أرشد سبحانه إلى ترتيب القتال فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) أي يقربون منكم مبتدأ من الأقرب ومنتقلا إلى الأبعد. والقتال واجب مع كافة الكفر بآية القتال ، ولكن هذه الآية أخص لأن الغرض منها الترتيب ما لم يدع إلى قتال الأبعد قبل دفع الأقرب ضرورة فلا تكون هذه منسوخة بآية القتال على ما نقل عن الحسن ، وإنما وجب الابتداء بالغزو من المواضع القريبة لأن قتال الكل دفعة متعذر وللأقرب ترجيح ظاهر كما في الدعوة وكما في سائر المهمات مثلا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يبتدأ بالجمع الحاضرين ثم ينتقل الى الغائبين. وأيضا المئونة في قتال الأقربين من النفقة والدواب تكون أقل والقتال معهم يكون أسهل للوقوف على أحوالهم وعدد عسكرهم ، والفرقة المجاهدة إذا تجاوزوا من الأقرب إلى الأبعد فقد عرضوا الذراري للفتنة. وقد حارب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قومه ثم غيرهم من عرب الحجاز ثم غزا الشام. ويروى أن أعرابيا جلس على المائدة وكان يمد يده إلى الجوانب البعيدة من تلك المائدة فقال صلىاللهعليهوسلم : كل مما يليك. فثبت بهذه الوجوه أن الابتداء بالأقرب فالأقرب واجب ما لم يضطر الى العدول ضرورة. وقوله (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) أي شدة نظير قوله : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التحريم : ٩] ومن قرأ بفتح الغين فهو المصدر أيضا كالسخطة وهي لفظة جامعة للجراءة والصبر على القتال ولشدة العداوة والعنف في القتل والأسر ، كل ذلك فيما يتصل بالدعوة إلى الدين إما بإقامة الحجة وإما بالسيف ، أما فيما يتصل بالبيع