(وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) عزيمة صادقة في ترك شهواتها (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) أي لموت قلبهم لتزايد ظلمة النفاق كل حين ، ثم أخبر عن موت القلب بقوله : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) والفتنة موجبة لانتباه القلب الحي (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧] أي قلب حي (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) في مقام الإنكار والنفاق أي هل يرى محمد إنكارنا على رسالته والقرآن ، فإن كان رسولا يرانا بنور رسالته (ثُمَّ انْصَرَفُوا) على هذا الحسبان لأن قلوبهم مصروفة وليس لهم فقه القلب لأن ذلك من أمارات حياة القلب. (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) تسكين للعوام لئلا يتنفروا عنه وإشارة للخواص إلى أن البشر لهم استعداد الوصول والوصال ، فإن لم يكن بالاستقلال فبالمتابعة فاتبعوني يحببكم الله. ومن قرأ (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي أشرفكم فلأنه أوّل جوهر خلقه الله تعالى «أول ما خلق الله تعالى روحي» ولاختصاصه بالخلاص عن تعلق الكونين وبلوغه إلى قاب قوسين أو أدنى وتحليه بحلية (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠] ولعلو همته ، (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧] ولرؤيته سر القدر و (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [النجم : ١٨] (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) فمن رأفته أمر بالرفق كما قال : «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه بالرفق» (١) ومن رحمته قيل له (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩] وهاهنا نكتة وهي أن رأفته ورحمته لما كانت مخلوقة اختصت بالمؤمنين فقط ، وكانت رحمته تعالى ورأفته للناس عامة (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ونكتة أخرى هي أن رحمته صلىاللهعليهوسلم عامة للعالمين بقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] وأما رحمته المضمومة الى الرأفة فخاصة بالمؤمنين وكأن الرأفة إشارة إلى ظهور أثر الدعوة في حقهم ، فالمؤمنون أمة الدعوة والإجابة جميعا وغيرهم أمة الدعوة فقط (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) لأن المقصود من التبليغ قد حصل لك وهو وصولك إلى الله أعرضوا عن دعوتك أو أقبلوا والله المستعان.
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٣ / ١٩٩).