بِها) سكنوا إليها سكون العاشق إلى معشوقه وهذه غاية الانهماك والاستغراق في اللذات الجسمانية (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) فلا يعتبرون بالآيات ولا ينظرون في الدلائل الموصلة إلى حقيقة المبدإ والمعاد ، فلم يقبلوها بالتقليد ولم ينظروا إليها بعين الاجتهاد (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ) فيه معنى الجزاء ولذلك تعلق به قوله : (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) وفيه أن الأعمال السابقة هي المؤثرة في حصول العذاب الجسماني وهو النار المحسوسة ، والعذاب الروحاني وهو نار البعد من المألوفات والقطيعة من السعادات الباقيات فيكون مثاله مثال من أخرج عن مجالسة معشوقة فألقي في بئر ظلمانية لا إلف بها ولا مؤنس بل يكون فيها أنواع المؤذيات وأصناف الموحشات نعوذ بالله من تلك الحالات. هذا حال من لا يؤمن بالمعاد فلا يعمل له ، وأما حال الذي يؤمن به فذلك قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) استكملوا من جهة القوة النظرية (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) استكملوا من قبل القوة العملية أو صدقوا بقوله ثم حققوا التصديق بالعمل الصالح الذي جاءت به الأنبياء والكتب من عند الله ، أو أشغلوا قلوبهم وأرواحهم بتحصيل المعرفة ثم جوارحهم بالخدمة حتى تكون عيونهم مشغولة بالاعتبار ، وآذانهم باستماع كلام الله ، وألسنتهم بذكر الله وسائر أعضائهم بطاعة الله تعالى : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) قال أكثر المفسرين : معناه يهديهم إلى الجنة ثوابا لهم على إيمانهم وأعمالهم الصالحة. ومعنى قوله : (بِإِيمانِهِمْ) أي بإيمانهم هذا المضموم إليه العمل الصالح ، وهذا التفسير يوافق قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [الحديد : ١٢] وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله الصالح في صورة حسنة فيقول له : أنا عملك فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة. والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة فيقول : أنا عملك فينطلق به إلى النار». وقيل : معنى الآية إن إيمانهم يهديهم إلى مزايا من الألطاف ولوامع من الأنوار بحيث تزول بواسطتها عنهم الشكوك والشبهات فتؤدي إلى حصول المثوبات ولذلك جعل (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) بيانا له وتفسيرا لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها. فهذه الهداية عبارة عن الفوائد الزوائد الحاصلة في الدنيا بعد الإيمان. قال القفال : فعلى هذا الوجه كان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم وتجري من تحتهم الأنهار إلا أنه حذف الواو وجعل قوله : (تَجْرِي) خبرا مستأنفا منقطعا عما قبله. والتحقيق في تقرير هذا الوجه أن العلم نور والجهل ظلمة والروح كاللوح والعلوم والمعارف كالنقوش ولكن حالهم بالضد من النقوش الجسمانية ، فإن تزاحم النقوش الجسمانية يكدر اللوح وتوارد النقوش المعنوية وتكاثرها يزيد لوح الروح لمعانا وإشراقا حتى إنه يقوى بها على تحصيل المعارف الباقية