يقع بعدها الجمل كقوله : حتى ماء دجلة أشكل.
والجملة هاهنا مجموع الشرط والجزاء أعني قوله (إِذا جاؤُكَ) يقول : و (يُجادِلُونَكَ) في موضع الحال. ويجوز أن تكون حتى جارّة أي حتى وقت مجيئهم و (يُجادِلُونَكَ) حال بحاله و (يَقُولُ) تفسير له. والمعنى أنه بلغ تكذيبهم الآيات إلى حالة المجادلة. ثم فسر الجدل بأنهم يقولون (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وأصل السطر هو أن يجعل شيئا ممتدا مؤلفا في صف ومنه سطر الكتاب وسطر من نخيل وجمعه أسطار وجمع الجمع أساطير. وقال الزجاج : واحد الأساطير أسطورة كأحاديث وأحدوثة. وقال أبو زيد : لا واحد له كعباديد. قال ابن عباس : معناه أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها أي يكتبونها. ومن فسر الأساطير بالخرافات والترهات نظر ، إلى أن الأغلب هو أن لا يكون فيها فائدة معتبرة كحديث رستم وغيره فذلك معنى وليس بتفسير. ثم إن غرض القوم من هذا القول هو القدح في كون القرآن معجزا كما أن الكتب المشتملة على الأخبار والقصص ليست بمعجزة ، والجواب أن هذا مقرون بالتحدي وقد عجزوا عن آخرهم دون تلك فظهر الفرق. ثم أكد طعنهم في القرآن بقوله (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) قال محمد بن الحنفية وابن عباس في رواية والسدي والضحاك : عن القرآن وتدبره والاستماع له (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) والنأي البعد. نأيته ونأيت عنه وناء الرجل إذا بعد لغة في «نأى» وحملوه على القلب لأن المصدر لم يجيء إلا على النأي. وقيل : الضمير للرسول والمراد النهي عن اتباعه والتصديق بنبوّته ، جمعوا بين قبيحين : النأي والنهي فضلوا وأضلوا. وعن عطاء ومقاتل عن ابن عباس أنها نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويتباعد عما جاء به. روي أن قريشا اجتمعوا إلى أبي طالب يريدون سوءا بالنبي صلىاللهعليهوسلم فقال أبو طالب :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم |
|
حتى أوسد في التراب دفينا |
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة |
|
وأبشر وقر بذاك منك عيونا |
وعرضت دينا لا محالة أنه |
|
من خير أديان البرية دينا |
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي |
|
ولقد صدقت وكنت ثم أمينا |
لو لا الملامة أو حذاري سبة |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
وضعفت هذه الرواية بقوله (إِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) يعني بما تقدم ذكره ، ولكن النهي عن أذيته حسن لا يوجب الهلاك. ويمكن أن يجاب بأن الذم توجه على الهيئة الاجتماعية الحاصلة من النهي مع النأي كقوله (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤] ولو سلم فلم لا يجوز أن يرجع الذم إلى القسم الأخير فقط.