الحسن. وقيل : إنها في المنافقين كانوا يسرون الكفر فيظهر نفاقهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة. وقيل : هو في أهل الكتاب يظهر لهم ما كانوا يكتمونه من صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم. والأولى حمل الآية على الكل لأنه يوم تبلى السرائر فلا جرم تظهر الفضائح والقبائح وتنكشف الأسرار وتنهتك الأستار اللهم كفر عنا سيآتنا في ذلك اليوم. ثم قال (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) قيل كيف يتصوّر هذا وإنهم قد عرفوا الله تعالى حينئذ بالضرورة وشاهدوا الأحوال والأهوال؟ وأجاب القاضي بأن المراد ولو ردّوا إلى حالة التكليف. وعلى هذا التقدير لا تبقى المعرفة ضرورية فلا يمتنع صدور الكفر عنهم. وضعف بأن المقصود من إيراد هذا الكلام المبالغة في غيهم وتماديهم وإصرارهم على الكفر. وإذا فرض عودهم إلى حالة التكليف زال التعجب كما هو الآن فإذن لا تنحل العقدة إلا بأن يقال : المراد توكيد جريان القضاء السابق فيهم بحيث لو شاهدوا العذاب والعقاب ثم سألوا الرجعة فردوا إلى الدنيا لعادوا إلى الشرك ولم ينجع ذلك فيهم. (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما وعدوا في ضمن التمني أو في كل شيء ولهذا قالوا (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) «إن» نافية والضمير عائد إلى حقيقة الحياة المعلومة في الأذهان ولهذا أضيف إلى ضمير جمع المتكلم أي ما لنا حياة إلا هذه الحياة التي هي أقرب إلينا (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) بعدها. وقيل : إن تقدير الآية ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ولأنكروا البعث ولقالوا : إن هي إلا حياتنا الدنيا.
ثم لما قرر إنكارهم كشف عن حالهم يوم القيامة فقال (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) تمسك بعض المشبهة بهذا على أنه تعالى يحضر تارة ويغيب أخرى ، ورد بأن استعلاء شيء على ذات الله تعالى محال بالاتفاق فوجب تأويل الآية بأنه مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي مولاه للعتاب ، أو المضاف محذوف أي على جزاء ربهم أو وعده أو إخباره بثواب المؤمنين وعقاب الكافرين ، أو هو من قولك : وقفته على كذا أي أطلعته عليه. ثم كان لسائل أن يقول : ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه؟ فأجيب (قالَ أَلَيْسَ هذا) الذي عاينتموه من حديث البعث والجزاء (بِالْحَقِ) الذي حدثتموه؟ (قالُوا بَلى وَرَبِّنا) وفيه دليل على أن حالهم في الإنكار سيؤل إلى الإقرار ، ثم كأنه سئل ماذا قيل لهم بعد الإقرار؟ فأجيب (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي بسبب كفركم وذلك ليعلم أن الإقرار في غير دار التكليف لا ينفع ، وذلك أن جوهر النفس اللطيفة القدسية بعث إلى هذا العالم الجسماني الكثيف وأعطى الآلات الجسمانية لتحصيل المعارف اليقينية والأخلاق الفاضلة التي تعظم منافعها بعد الموت. فإذا استعملها الإنسان بناء على اعتقاد عدم المعاد في تحصيل اللذات الفانية والسعادات المنقطعة إلى أن ينقضي أجله فقد ضاع رأس المال