يقال : إن الماء أيضا من جملة الأرض لأنهما جميعا ككرة واحدة. قال علماء المعاني : إنما وصف الدابة بكونها في الأرض والطائر بأنه يطير بجناحيه ليعلم أنهما باقيان على عمومهما إذ بينهما بخواص الجنسين ، ولو لا ذلك لاحتمل أن يقدّر فيهما صفة نحو ترتع أو تصيد فيتخصصا ، أو لأوهم أن المراد بهما غير الجنسين المتعارفين لقوله بعده (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) وقد يقول الرجل لعبده طر في حاجتي والمراد الإسراع. قال الحماسي :
طاروا إليه زرافات ووحدانا
وقيل : ذكر (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) ليخرج عنه الملائكة ذوو الأجنحة ، فإن المراد ذكر من هو أدون حالا. وقيل : إن الوصف للتأكيد كقولهم : نعجة أنثى. وكما يقال : مشيت إليه برجلي. وإنما جمع الأمم مع أنه أفرد الدابة والطائر ، لأن النكرة المستغرقة في معنى الجمع. قال الفراء : كل صنف من البهائم أمة. وفي الحديث «لو لا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها» (١). ثم ما وجه المماثلة بين البشر والدابة والطائر؟ نقل الواحدي عن ابن عباس أنه قال : يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني كقوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤] (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) [النور : ٤١] وعن أبي الدرداء : أبهمت عقول البهائم إلا عن معرفة الإله وطلب الرزق. ومعرفة الذكر والأنثى. وهذا قول طائفة عظيمة من المفسرين. وقيل : وجه المماثلة كونها جماعات وكونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضا ويأنس بعضها ببعض ويتوالد بعضها من بعض. وضعف بأن هذا أمر معلوم مشاهد لا فائدة في الإخبار عنه. وقيل : هو أنه دبرها وخلقها وتكفل برزقها وأحصى أحوالها وما يجري عليها من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاوة. دليله قوله عقيبه (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ). وقيل : هو أنها تحشر يوم القيامة ويوصل إليها حقوقها وقد جاء في الحديث «يقتص للجماء من القرناء» (٢). ولكن قوله بعد ذلك (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) يصير كالمكرر. وعن سفيان بن عيينة : ما في الأرض من آدمي إلا وفيه شبه من بعض البهائم. فمنهم من يقدم إقدام الأسد ، ومنهم من يعدو عدو الذئب ، ومنهم من ينبح نباح الكلب ، ومنهم من يتطوّس كفعال الطاووس ، ومنهم من يشبه الخنزير لو ألقي إليه الطعام الطيب تركه وإذا قام عن رجيعه لعب فيه ، وكذلك نجد من الآدميين من يسمع
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب الأضاحي باب ٢١. الترمذي في كتاب الصيد باب ١٦ ، ١٧. النسائي في كتاب الصيد باب ١٠. ابن ماجه في كتاب الصيد باب ٢. أحمد في مسنده (٤ / ٨٥ ، ٨٦) ، (٥ / ٥٤).
(٢) رواه أحمد في مسنده (١ / ٧٢).