الأعواض إليها ، لأن إيصال الآلام إليها من غير سبق جناية لا يحسن إلا للعوض. وفرع القاضي على ذلك فقال : كل حيوان استحق العوض على الله تعالى بما لحقه من الآلام وكان ذلك العوض لم يصل إليه في الدنيا فإنه يجب على الله تعالى حشره في الآخرة ليوفر عليه ذلك العوض ، والذي لا يكون كذلك فإنه لا يجب حشره عقلا إلا أن السمع ورد بحشر الكل فيقطع بذلك. فرع آخر : كل حيوان أذن الله تعالى في ذبحه فالعوض له على الله تعالى ، وكذا الذي أذن في قتله في كونه مؤذيا أو ألمه بمرض أو سخره للإنسان لأجل حمل الأثقال ، وأما إذا ظلمها الناس فالعوض على الظالم ، وكذا إذا ظلم بعضها بعضا ، ولو ذبح المأكول لغير مأكله. فالعوض على الذابح ولهذا ورد النهي عن ذبح الحيوان لغير مأكله والمراد من العوض منافع عظيمة بلغت في الجلالة إلى حيث لو كانت هذه البهيمة عاقلة وعلمت أنه لا سبيل إلى تحصيل تلك المنافع إلا بواسطة تحمل ذلك الذبح لرضيت به. فرع آخر : مذهب القاضي وأكثر المعتزلة أن العوض منقطع وبعد ذلك تصير ترابا وحينئذ (يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠] وقال أبو القاسم البلخي : يجب دوام العوض لأنه لا يمكن قطع ذلك العوض إلا بإماتة تلك البهيمة ، وإماتتها توجب الألم ، وذلك الألم يوجب عوضا آخر وهلم جرا إلى ما لانهاية له. وأجيب بالمنع من أن الإماتة لا يمكن تحصيلها إلا بالإيلام. فرع آخر : البهيمة إذا استحقت عوضا على بهيمة أخرى : فإن كانت البهيمة الظالمة قد استحقت عوضا على الله تعالى فإنه تعالى يوصل ذلك العوض إلى المظلوم وإلا فإنه تعالى يتكفل بذلك العوض ، وهذا القدر يكفي في أحكام الأعواض بحسب المقام وهو سبحانه أعلم. ولما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما ينادي على عظمته ويشهد لربوبيته وينبه على رحمته الكاملة وعنايته الشاملة قال (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌ) لا يسمعون كلام الله البتة (وَبُكْمٌ) لا ينطقون بالحق خابطون (فِي الظُّلُماتِ) ظلمة الكفر وظلمة الشكوك وظلمة الحيرة والضلالة. ثم بين أن الكفر والإيمان والطاعة والعصيان كلها بمشيئته وإرادته وتسخيره وتدبيره فقال (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) والجبائي أوّل الآية بأن المراد أنهم كذلك في الآخرة كقوله (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) [الإسراء : ٩٧] وأنهم شبهوا بمن حاله كذا ، أو هو محمول على الشتم والإهانة ، وأما قوله (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) أي عن طريق الجنة ولا يشاء الإضلال إلا لمن يستحق عقوبته كما أنه لا يشاء الهدي إلا للمؤمنين. أو المراد بالإضلال منع الألطاف لأنهم ليسوا من أهلها وبالهداية منحها لأنهم من أهلها. ثم بين غاية جهالة الكفار وأنهم مع جحودهم يفزعون إلى الله في البليات فقال (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) هو منقول من رأيت بمعنى