صاحبه على ما آتاه الله تعالى من صفة الكمال ، فمن عرف سر القدر رضي بنصيب نفسه وسكت عن التعرض لغيره وعاش عيشا طيبا في الدنيا والآخرة. قال هشام بن الحكم الافتتان الاختبار والامتحان ، وفيه دليل على أنه تعالى لا يعلم الجزئيات إلا عند حدوثها. والجواب أنه يعامل المكلف معاملة المختبر وقد مر مرارا. وقالت الأشاعرة : في الآية دلالة على مسألة خلق الأعمال لأن تلك الفتنة التي ألقاها الله تعالى ليست إلا اعتراضهم على الله والاعتراض عليه كفر. فهو تعالى خالق للكفر. وأيضا منة الله عليهم ليست إلا بالإيمان ومتابعة الرسول ، فلو كان الموجد للإيمان هو العبد كان العبد هو المان على نفسه. أجاب المعتزلة بأن معنى فتناهم ليقولوا خذلناهم حتى آل أمرهم إلى أن قالوا ، فتكون اللام لام العاقبة ، وزيف بأنه عدول عن الظاهر مع أنا ننقل الكلام إلى الخذلان فلا بد من الانتهاء إليه تعالى (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) بمن يصرف كل ما أنعم به عليه فيما أعطاه لأجله فيظهر أفعاله على حسب معلوم الله تعالى. وقال في الكشاف : أي الله أعلم بمن يقع منه الإيمان والشكر فيوفقه للإيمان ، وبمن يصمم على كفره فيخذله ويمنعه التوفيق.
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) قال عكرمة : نزلت في الذين نهى الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم عن طردهم وكان إذا رآهم بدأهم بالسلام ، وقال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام. وقال ماهان الحنفي : أتى قوم النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوبا عظاما ، وأظهروا الندامة والأسف فما أخاله رد عليهم بشيء. فلما ذهبوا وتولوا نزلت الآية. قال في التفسير الكبير : الأقرب أن تحمل الآية على عمومها ، فكل من آمن بآيات الله تعالى يدخل تحت هذا التشريف والإكرام ثم أيدى إشكالا وهو أن المفسرين اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة ، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن يقال في كل واحدة من جميع آي هذه السورة إنها نزلت بسبب الأمر الفلاني؟ قلت : لا استبعاد في أن تنزل السورة دفعة وينزل الصحابة كل آية منها على واقعة تناسبها ، كيف وهم أعرف بحقائق التنزيل وأعلم بدقائق التأويل لأنهم أهل مشاهدة الوحي وأرباب مزاولة الأمر والنهي؟! واعلم أن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله ، وأنها لا تكاد تنحصر فيجب على المكلف أن يكون مدة حياته كالسابح في تلك البحار والسائح في هذه القفار ليكون دائما مترقيا في معارجها مترقبا أن تفيض عليه الأنوار من مدارجها فيستعد لبشارة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ويستأهل لكرامة (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) إما أن يكون أمرا بتبليغ سلام الله إليهم ، وإما أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما لهم. قال الزجاج : (سَلامٌ) إما مصدر «سلمت سلاما وتسليما» مثل : كلمت كلاما وتكليما. ومعناه الدعاء بأن يسلم من الآفات في نفسه