يؤخذ به ويعمل عليه ، ويؤيد هذا التأويل ما روي عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس أنها بعثت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقدح من لبن في شدة الحر عند فطره صلىاللهعليهوسلم وهو صائم فرده الرسول إليها وقال : من أين لك هذا؟ فقالت : من شاة لي ثم رده وقال : من أين هذه الشاة؟ فقالت : اشتريتها بمالي فأخذه. ثم إنها جاءته وقالت : يا رسول الله لم رددته؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : بذلك أمرت الرسل أن لا تأكل إلا طيبا ولا تعمل إلا صالحا. وثانيها وهو قول محمد بن جرير أن المراد به عيسى وقد خاطب الواحد خطاب الجمع لشرفه وكقوله (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) [آل عمران : ١٧٣] والمراد نعيم بن مسعود. ووقع هذا الإعلام عند إيواء عيسى ومريم إلى الربوة فذكر على سبيل الحكاية أي آويناهما وقلنا لهما هذا أي أعلمناهما أن الرسل كلهم خوطبوا بهذا الكلام ، فكلا مما رزقناكما واعملا عملا صالحا اقتداء بالرسل. وثالثها وهو الأظهر عندي أن المراد نبينا صلىاللهعليهوسلم لأنه ذكر ذلك بعد انقضاء أخبار الرسل. ووجه اتصال الكلام بما بعده ظاهر كما نقرره ، ووجه اتصاله بما قبله هو انتهاء الكلام إلى ذكر المستلذ وبالحقيقة المراد به الأمة كقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١] والطيب ما يستطاب ويستلذ من المآكل والفواكه أو هو الحلال. وقيل : طيبات الرزق حلال لا يعصى الله فيه ، وصاف لا ينسى الله فيه ، وقوام يمسك النفس ويحفظ العقل. وفي تقديم الأكل من الطيبات على الأمر بالعمل الصالح دليل على أن العمل الصالح لا بد أن يكون مسبوقا بأكل الحلال. وفي قوله (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) تحذير من مخالفة هذا الأمر. وقال في سورة سبأ (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الآية : ١١] وكلاهما من أسمائه تعالى إلا أنه ورد هاهنا على الأصل لأن العلم أعلم وهناك راعى الفاصلة أو خصص لأن الخطاب مخصوص بآل داود.
ومن قرأ (وَإِنَ) بالكسر فعلى الاستئناف ، ومن قرأ بالفتح مخففا ومشددا فعلى حذف لام التعليل والمعلل (فَاتَّقُونِ) ثم من قال : الخطاب لجميع الرسل فالمشار إليه بهذه هو أصول الأديان والشرائع التي لا خلاف فيها بين الرسل وجملتها تقوى الله كما ختم به الآية. والضمير في (فَتَقَطَّعُوا) راجع إلى أممهم. قال الكلبي ومقاتل والضحاك : يعني مشركي مكة والمجوس واليهود والنصارى. ومن قال : الخطاب لعيسى فهذه إشارة إلى ملته في وقتها. وعلى القول الأظهر بل على جميع الأقوال المشار إليه ملة الإسلام كما مر مثله في آخر سورة الأنبياء ، كأنه أمر هناك بالعبادة التي هي أعم ثم أمر بالتقوى التي هي أخص ولهذا قال (فَتَقَطَّعُوا) بالفاء ليتوجه الذم أتم فإن المأتي به كلما كان أبعد من المأمور به كان سبب الذم أقوى ، فلا يكون ترتيب التقطع على التقوى كترتبه على العبادة ولهذا أكد التقطع بقوله (زُبُراً) بضم الباء جمع زبور أي حال كونه كتبا مختلفة يعني جعلوا دينهم أديانا ومذاهب