الآية دلالة على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق كفاه الله همه. يروى أنه صلىاللهعليهوسلم أرسل إلى زوجها وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: الشيطان ، فهل من رخصة؟ فقال صلىاللهعليهوسلم: نعم وقرأ عليه الآيات الأربع وقال صلىاللهعليهوسلم له: هل تستطيع العتق؟ فقال: لا والله. فقال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ فقال: لا والله يا رسول الله إلا أن تعينني منك بصدقة فأعانه بخمسة عشر صاعا وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين. وعلم أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية لأنه في التحريم غاية فإن كان شرعا متقدما فالآية ناسخة له ولا سيما فيمن روى أنه صلىاللهعليهوسلم قال لها: حرمت عليه. وإن كان عادة الجاهلية فلا نسخ لأن النسخ لا يوجد إلا في الشرائع. ثم إنه سبحانه وبخ العرب أوّلا بقوله (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ) ثم بين الحكم العام في الآية الثانية ولهذا لم يورد لفظة منكم ونحن نبني تفسير الآية على أبحاث الأول في معنى الظهار وهو عبارة عن قول الرجل لامرأته «أنت عليّ كظهر أمي» فاشتقاقه من الظهر. وقال صاحب النظم: ليس الظهر بذلك أولى في هذا المطلوب من سائر الأعضاء التي هي موضع التلذذ فهو مأخوذ من ظهر إذا علا وغلب وبه سمي المركوب ظهرا لأن راكبه يعلوه ، وكذلك امرأة الرجل مركبه وظهر له. والدليل على صحة هذا المعنى أن العرب تقول في الطلاق: نزلت عن امرأتي أي طلقتها. وفي لفظ الظهار إضمار والتقدير: ظهرك عليّ أي علوي وركوبي عليك حرام علي كعلو أمي. ثم لا مناقشة بين العلماء في الصلات فلو قال: أنت معي أو عندي أو مني أو لي كظهر أمي صح ظهاره. وكذا لو ترك الصلات كلها وقال: أنت كظهر أمي كما أن قوله «أنت طالق» صريح وإن لم يقل «مني» أما إذا شبهها بغير الظهر فذهب الشافعي إلى أن ذلك العضو إن كان مشعرا بالإكرام كقوله أنت علي كروح أمي أو عين أمي صح ظهاره إن أراد الظهار لا الإكرام وإلا فلا. وإن لم ينو شيئا ففيه قولان ، وإن لم يكن مشعرا بالكرامة كقوله أنت كرجل أمي أو كيدها أو بطنها ففي الجديد ظهار ، وفي القديم لا ، وقد يرجح هذا بالبراءة الأصلية. وقال أبو حنيفة: إن شبهها بعضو من الأم يحل له النظر إليه كاليد أو الرأس لم يكن ظهارا ، وإن شبهها بعضو يحرم النظر إليه كالبطن والفخذ كان ظهارا. وفي التشبيه بالمحرمات الأخر من النسب أو الرضاع سوى الأم في الجديد وعليه أبو حنيفة أنه ظهار لعموم قوله (يَظْهَرُونَ) ومن قصره على الأم احتج بقوله بعده (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) وبأن حرمة الأم أشد.
البحث الثاني في المظاهر وفيه مسائل: الأولى: قال الشافعي: كل من صح طلاقه صح ظهاره وإن كان خصيا أو مجبوبا ، ويتفرع عليه أن ظهار الذمي صحيح. حجة الشافعي عموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ) وأيضا تأثير الظهار في التحريم والذمي أهل لذلك