وملكة. قال ابن زيد: من لم يأخذ شيئا نهاه الله عن أخذه ولم يمنع شيئا أمره الله بإعطائه فقد وقي شح نفسه. وذكر المفسرون أنواعا من إيثار الأنصار الضيف بالطعام وتعللهم عنه حتى شبع الضيف. والظاهر أنها نزلت في الفيء كما مر ويدخل فيه غيره. قوله (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي هاجروا بعد المهاجرين الأوّلين. وقيل: هم التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين ، فتشمل الآيات الثلاث جميع المؤمنين. ثم عجب من أحوال أهل النفاق من أهل المدينة كعبد الله بن أبيّ وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن زيد ، كانوا في الظاهر من الأنصار ولكنهم يوالون اليهود في السر فصاروا إخوانهم في الكفر وقالوا لهم لا نطيع في قتالكم أو خذلانكم أحدا. ثم شهد إجمالا عليهم بأنهم كاذبون ، ثم فصل ذلك قائلا (لَئِنْ أُخْرِجُوا) إلى قوله (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) وهذا على سبيل الفرض لأنه تعالى كما يعلم ما يكون فهو يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون. والمعنى لو فرض نصر المنافقين اليهود ليهزمن المنافقون (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) بعد ذلك أي لا يمنعهم من عذاب الله مانع لظهور كفرهم. وقيل: ليهزمن اليهود ثم لا تنفعهم نصرة المنافقين. وعلى هذا يكون «ثم» لترتيب الأخبار كقوله (ثُمَّ اهْتَدى) [طه: ٨٢] ثم بيّن الحكمة في الغزو فقال (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) قال في الكشاف: أي مرهوبية هي مصدر رهب المبني للمفعول. وقوله (فِي صُدُورِهِمْ) دلالة على نفاقهم يعني أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله خوفا شديدا ورهبتهم في السر منكم أشد من ذلك لأنهم لا يفقهون عظمة الله فلا يخشونه حق خشيته. وجوز أن يكون المراد أن اليهود يخافونكم في صدورهم أشد من خوفهم من الله وكانوا يتشجعون للمسلمين مع إضمار الخيفة في صدورهم. قلت: الأظهر أن المراد أنتم فيه أكثر مكانة من مواعظ الله أو لثمرة جهادكم معهم أوفر من ثمرة ترهبهم بعقاب الله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) من سر التكاليف وتبعة الكفر والنفاق في الآخرة فلا يرتدعون إلا خوفا من العقوبة العاجلة. ومن هذا أخذ عمر فقال: ما يزع السلطان أي يمنع أكثر مما يزع القرآن. وقال الشاعر:
السيف أصدق إنباء من الكتب
وقيل: العبد لا يردعه إلا العصا. ثم شجع المسلمين بقوله (لا يُقاتِلُونَكُمْ) أي لا يقدرون على قتالكم مجتمعين (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) غاية التحصين (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) لا مبارزين مكشوفين في الأراضي المستوية (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) لا بينكم لأنكم منصورون بنصرة الله مؤيدون بتأييده ، أو لأنهم يحسبون في أنفسهم وفيما بينهم أمورا يعلم الله أنها لا تقع في الخارج على وفق حسبانهم وعن ابن عباس: معناه بعضهم لبعض عدوّ يؤيده قوله (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) مجتمعين ذوي تآلف ومحبة (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) متفرقة وهو فعلى من