الشت. وإنما قال هاهنا (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) وفي الأوّل (لا يَفْقَهُونَ) لأن الفقه معرفة ظاهر الشيء وغامضه فنفي عنهم ذلك كما قلنا ، وأراد هاهنا أنهم لو عقلوا لاجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا فتشتتهم دليل عدم عقلهم لأن العقل يحكم بأن الاجتماع معين على المطلوب والتفرق يوهن القوى ولا سيما إذا كانوا مبطلين. ثم شبه حالهم بحال من قتلوا قبلهم ببدر في زمان قريب. قال جار الله: انتصب (قَرِيباً) بمحذوف أي كوجود مثل أهل بدر قريبا. قلت: لا يبعد أن يتعلق بصلة الذين. ثم ضرب مثلا آخر لإغراء المنافقين اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر ، والمراد إما عموم دعوة الشيطان للإنسان إلى الكفر وإما خصوص إغراء إبليس قريشا يوم بدر كما مر في الأنفال في قوله سبحانه (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) إلى قوله (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) [الأنفال: ٤٨] قال مقاتل: وكان عاقبة اليهود والمنافقين مثل عاقبة الشيطان والإنسان حتى صار إلى النار. قال جار الله: كرر الأمر بالتقوى تأكيدا أو لأن الأول في أداء الواجبات لأنه قرن بما هو عمل والثاني في ترك المعاصي لأنه قرن بما يجري مجرى الوعيد. وسمى القيامة بالغد تقريبا لمجيئها. عن الحسن: لم يزل بقربه حتى جعله كالغد. وقيل: جعل مجموع زمان الدنيا كنهار عند الآخرة. قال أهل المعاني: تنكير (نَفْسٌ) للتقليل كما مر في الوقوف وتنكير (لِغَدٍ) للتعظيم والتهويل. قال مقاتل: ونسوا حق الله فأنساهم حق أنفسهم حتى لم يشعروا لها بما ينفعها ، أو فأراهم يوم القيامة من الأحوال ما نسوا فيه أنفسهم. قلت: يجوز أن يراد نسوا ذكر الله فأورثهم القسوة وفساد الاستعداد بالكلية. وحين نهى المؤمنين عن كونهم مثل الناسين الغافلين ذكرهم بأنه لا استواء بين الفريقين ففيه شبه قرع العصا كأنهم غفلوا عن هذا الواضح البين كما تقول لمن يعصي أباه «هو أبوك». استدل أصحاب الشافعي بالآية على أن المسلم لا يقتل بالذمي وإلا استويا ، وأن الكافر لا يملك مال المسلم بالقهر وإلا استويا. واحتج بعض المعتزلة بها على أن صاحب الكبيرة لو دخل الجنة وهو من أهل النار لزم خلاف الآية. والجواب ظاهر لأنه على تقدير إمكان العفو لا يحكم أنه من أهل النار. ثم عظم أمر القرآن الذي يعلم منه هذا البيان. قال الكشاف: هو مثل وتخييل بدليل قوله (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) يعني هذا وغيره من أمثال التنزيل. وقال غيره: المعنى إشارة إلى قوله (كَمَثَلِ الَّذِينَ كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) ولما وصف القرآن بما وصف عظم شأنه بوجه آخر وهو التنبيه على أوصاف منزله ، وقد سبق شرح أكثر هذه الأسماء في هذا الكتاب ولا سيما في البسملة. والقدّوس مبالغة القدس وهو التبليغ في الطهارة والبراءة عما يشين وهذا بالنسبة إلى زمان الماضي والحال. والسلام إشارة إلى كونه سالما عن الآفات والعاهات والنقائص في زمان الاستقبال ، ويجوز أن يراد أنه المعطي للسلامة. المؤمن الواهب الأمن والمصدق