واعلموا إخواني رحمنا الله وإياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم ، أن لكل مجتهد نصيبا قل أو أكثر ، ولكل نفس عاملة قسطا نقص أو كمل ، وأن الأعمال بالنيات وبها تجلب البركات وترفع الدرجات ، وأن المرء بأصغريه وكل عمل ابن آدم سوى الخير كلّ عليه ، والذي نفسي بيده وناصيتي بحكمه ومشيئته ، عالم بسري ومحيط بنيتي أني لم أقصد في تأليف هذا التفسير مجرد جلب نفع عاجل لأن هذا الغرض عرض زائل ولا يفتخر عاقل بما ليس تحته طائل.
سحابة صيف ليس يرجي دوامها
وهل يشرئب إلى الأمور الفانية أو يستلذ بها من وهن من أعضائه عظامها ، وكاد يفتر من قواه أكثرها بل تمامها؟ وإنما كان المقصود جمع المتفرق ، وضبط المنتشر ، وتبيين بعض وجوه الإعجاز الحاصل في كلام رب العالمين ، وحل الألفاظ في كتب بعض المفسرين بقدر وسعي وحد علمي ، وعلى حسب ما وصل إليه استعدادي وفهمي ، والقرآن أجل ما وقف عليه الذهن والخاطر ، وأشرف ما صرف إليه الفكر والناظر ، وأعمق ما يغاض على درّه ومرجانه ، وأعرق ما يكد في تحصيل لحينه. ولو لم تكن العلوم الأدبية بأنواعها ، والأصولية بفروعها ، والحكمية بجملها وتفاصيلها وسيلة إلى فهم معاني كتاب الله العزيز واستنباط نكتها من معادنها واستخراج خباياها من مكامنها لكنت متاسفا على ما أزجيت من العمر في بحث تلك القواليب ، وأملت من الفكر في تأليف ما ألفت في كل أسلوب من أولئك الأساليب ، ولكن لكل حالة آلة ، ولك أرب سبب ، وطالما أغليت المهور للعقائل وجنبت الوسائل للأصائل. قال الشاعر:
أمر على الديار ديار ليلى |
|
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا |
وما حب الديار شغفن قلبي |
|
ولكن حب من سكن الديارا |
وكان من معاصم المقاصد من إنشاء هذا التفسير أن يكون جليسي مدّة حياتي ، وأنيسي في وقت مماتي حين لا أنيس للمرء إلا ما أسلف من بره ، ولا ينفع الإنسان إلا ما قدّم من خيره. ولعمري إنه للمتبتل المنيب الأوّاه نعم العون على تلاوة كتاب الله العزيز ومحضرة مع القراءة ووجهها إن اشتبه عليه شيء منها ، ومع الآي والوقوف إن ذهل عن أماكنها ومظانها. وكذا التفسير بتمامه إن أراد البحث عن الحقائق أو عزب عنه شيء من تلك الدقائق ، وكذا التأويل إن كان مائلا إلى بطون الفرقان وسالكا سبيل الذوق والعرفان. وإني أرجو من فضل الله العظيم وأتوسل إليه بوجهه الكريم ، ثم بنبيه القرشيّ الأبطحيّ ، ووليه