في وجوه البر والخير لأهل بغداد التي اتخذها وطنا ثانيا له منذ ٥٠ سنة في حين أنه من جراء أملاكه الكثيرة يصرف جزافا لوكلاء الدعاوي ويعطي بلا حساب للمحامين وغيرهم مبالغ كثيرة ويقدم هدايا في سبيل ذلك مما لم يمنع منها بخله البالغ حده ، فقد وقع أن صرف فيما لا يعني ولأمر تافه ، نحو ٣٠٠ ليرة أو ٥٠٠ ، وإن داره مملوءة بجوار عديدة ، فلا تخرج واحدة منهن إلى خارج البيت ، ولا تتصل بالأسر الأخرى ولا بنساء الآخرين ، أو تتعرف لهن ولا تخرج واحدة منهن إلى الأزقة ، توفي بلا وارث وأنا في بغداد ، ولما كان من تبعة الدولة الإنكليزية وضعت القنصلية البريطانية يدها على تركته» (١).
ولا شك أن هذه الرحلة عينت أوضاعه وأن صاحبها ورد بغداد في ٥ تشرين الأول سنة ١٣٠١ رومية وما قاله لا يخلو من مبالغة نوعا ، ولا ينكر أنه شارك في إعانات عديدة. وصاحب هذه السياحة شاهده في آخر أيامه ، وأشار إلى قوة نشاط وهزل في جدّ وأدب جمّ إلى آخر ما هنالك ، فهو مشهور في مجالسه مرغوب في صحبته ، مقبول في رفاقته ..
وذكره الأستاذ أبو الثناء الآلوسي فقال :
«واتفق أن رافقنا في المسير ، غنيا عن رفاقه مأمور وأمير ، شامة وجنة الأحباب ، حضرة (إقبال) الدولة الشهير (بالنواب) وهو رجل من ملوك الهند سكن العراق ، ووافقه صباه وجنوبه غاية الوفاق ، وعرف الناس وعرفوه ، وألف الأخيار وألفوه ، حيث كان ذا خلق أرق من دمعة الصب ، وطبع ألطف من وابل غيث غب الجدب ، وله مع الأحبة منهاج ، لا تجد له ولو تتبعت من هاج ، ومزاج غير أجاج ، هو لمدام الأنس خير مزاج ، مع عراقة أصل ، ورجاحة عقل ، وكمال فضل ، يحب
__________________
(١) (سياحت جرنالي) ص ٧٣.